فاتن الوكيل
وسط جميع الخطايا التي يُمكن أن يرتكبها الإنسان، سواء عن عمد أو دون قصد، تظل “المكابرة” والتمادي في الخطأ خاصة من شخصية عامة ولها جمهورها، هي الخطيئة الأكبر، التي يرتكبها هذا الشخص في حق نفسه قبل الرأي العام.
البداية .. صورة
البداية كانت صادمة مع نشر صورة تجمع الفنان التونسي صابر الرباعي عبر “حساب رسمي” لضابط في الجيش الإسرائيلي، يدعى يواف موردخاي، عرّف نفسه على أنه مسئول ما يُسمى بـ ”وحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق”، يظهر خلالها الرباعي “مبتسمًا” خلال التقاطه صورة مع ضابط إسرائيلي.
الصورة التي التقطها الرباعي خلال مغادرته الضفة الغربية، بعد إحياء حفل على مسرح مدينة روابي الجديدة، سرعان ما انتشرت بشكل كبير على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة مع الردود الغير موفقة للرباعي، التي أطلقها لتبرير الصورة.
بالأدلة.. الضابط “إسرائيلي”
العديد من الأدلة التي لا تدع مجالًا للشك، أكدت أن الضابط “إسرائيلي” عكس ما حاول الرباعي ترويجه في البداية، فمرة يقال على لسان مدير أعماله أن من ظهر في الصورة “بودي جارد”، ومرة أخرى بأنه ضابط فلسطيني يُدعى “هادي”.
أول دليل، كان المصدر الذي نشر الصورة، وهو يواف موردخاي، الذي امتلأ حسابه “الرسمي” على تويتر بعشرات الصور والتغريدات التي يحاول من خلالها إذابة الثلج مع الشعب الفلسطيني، وتارة أخرى، يدعو إلى نشر ما يعتبره إيجابيات تقوم بها حكومة الاحتلال للمجتمع الفلسطيني، وبالتالي لا يمكن لضابط كبير في جيش الاحتلال أن ينشر صورة تجمع فنانا عربيا جاء لمساندة الشعب الفلسطيني “كما قال” مع ضابط فلسطيني.
الدليل الآخر، هو حديث الرباعي نفسه، بأنه وافق على التصوير مع ضابط مسئول في المعبر أثناء مغادرته، فهل الرباعي لا يعلم بأن جميع معابر فلسطين المحتلة تخضع للاحتلال؟، وبالتالي فإن الضباط المتواجدين بها هم إسرائيليون، ويظهر من الموقع الخاص بالوحدة الإسرائيلية التابع الضابط لها، أن الشعار الموضوع على كتف الضابط، هو نفس شعار الوحدة التابعة للجيش الإسرائيلي، بالفعل وليس خاصًا بالشرطة الفلسطينية.
تبرير غير مقنع
نقطة أخرى حاول الرباعي من خلالها “تحوير” وتمويه الأمر، وذلك بعد أن أكد أن الضابط “دُرزي”، ويُدعى هادي، وهو ما يُعيدنا للتأكيد على حقيقة بديهية ربما نسيها الفنان الكبير، وهو أنه لا يوجد ما يُسمى بـ العرق الإسرائيلي، والمؤكد أن الإسرائيلين هم مجموعة من الصهاينة الذين أتوا من عدة بلدان لاحتلال فلسطين، ومع مرور الوقت استطاعوا “للأسف” أن يُدخلوا أفرادا عدة من بعض الطوائف في مجتمعهم، لذلك لا مانع من أن نجد شخصًا يتكلم العربية بطلاقة ويحمل اسمًا عربيًا وأن يكون من طائفة غير يهودية، ضابطًا في جيش الاحتلال، لأنه ببساطة وافق وارتضى على نفسه ذلك، وبالتالي فهو “واحد منهم خلاص”، ولكن تظل البدلة العسكرية الواضحة، كاشفة أن الضابط “إسرائيلي”.
تبرير الرباعي بأن الضابط “درزي” وليس إسرائيليًا، يُشير إلى استخفاف الفنان التونسي بعقل المتابع العربي، لأن وقائع سابقة تكشف ضعف حديث الرباعي حيث إن العميل عزام عزام، الذي سجن لثمان سنوات في مصر قبل إطلاقه في صفقة سياسية عام 2004، هو “عميل” إسرائيلي، وينتمي للطائفة الدرزية أيضًا.
إذا كان الرباعي يؤمن فعلا بأنه لم يفعل شيئًا خاطئًا، فلماذا يكون أول مصدر ينشر الصورة “إسرائيلي”؟، وهو ما سبب إحراجًا كبيرًا له، بل إن الحساب قام بعد الضجة التي حدثت، بإزالة التغريدة التي تجمع بينه وبين الضابط الإسرائيلي، وعقب ذلك قام الرباعي بنشر صورة له مع الرئيس الفلسطيني أبو مازن، فهل اعتبر الرباعي أن صورته مع أبو مازن ستحميه من تهمة التطبيع؟.
البيان الذي أصدره الرباعي أمس الاثنين، لم يستطع من خلاله إقناع العديد من مهاجميه حتى مع الجملة البلاغية التي اختتم بها بها قائلًا: “زيارة المسجون لا تعني تطبيعا مع السجان”، لأننا ببساطة، لم نشاهد من قبل زائرًا يلتقط صورًا مع السجان.