حسين إسماعيل
دائما يكون الكلام هو المعبر عما يجول بخاطر الإنسان، ففي القديم قالها الفيلسوف ( تكلم حتى أراك ) ، إلى أن تطور الفعل فأصبح الكلام لا يعادل حقيقة المتكلم ، و منها ظهرت لغة الجسد و تلك العلوم التي يحاول منها الإنسان فهم الأخر و تحليل شخصيته .
و قبل أن تفقد الكلمة معناها و من عصور مضت في اليونان القديمة ظهر فن التمثيل الصامت الذى أطاح بالكلمة من فوق الجبل ، و أحتل مكانها حركة يد ، انحناءة جسد ، تضخيم حركة أداء الفعل ، لكن العقل دائما يسأل .. هل زهد الإغريق القدامى الكلام فأثروا أن يظلوا صامتين … أم أنهم أرادوا ابتداع فن أخر يضاف إلى جبال فنونهم الضخمة،هذا سؤال أجابت عليه الكثير و الكثير من رسائل الماجستير و الدكتوراه عبر مئات السنين .
ظل فن الأداء دون الكلمة أو ( البانتوميم ) يتطور مع الزمن حتى دخل في الفنون الأخرى و أصبح له رواد و أساتذة و نظريات تراكمت بأشخاصها عبر التاريخ إلى حتى وصلت بنا إلى ما نحن فيه الأن ، و شتان ما بين التمثيل الصامت و ( فن البانتوميم ) ، فكلاهما أختار رفض الكلمة ، لكن الأول أستخدم نفس الأدوات في التعبير عن حالة ما ، أما الأخر فهو يحتل عقلك دون أداة مساعدة، لا يملك سوى جسده ، لا ديكور حوله ، لا مؤثرات صوتيه أو بصرية ، فقط هو وحده بجسده ، يتحول إلى شجرة ، يصبح طائرة ، طفلا صغيرا يقتله البكاء أو امرأة لعوب تمارس البغايا على قارعة الطريق.
إنه الضاحك الباكي الحقيقي ، أنه الرافض المعترض لكل من ترهبهم الكلمات ، إنه المقاتل الصامت حتى و إن سقط يسقط يافعا لا تحركه الرياح و لن يستطيع الزمن اللعب بالكلام و تأويل ما قال ، لأنه في الأصل لم يقول ، و إنما أختار أن يصبح لوحة عبر الزمن .
أقيمت يومي الثلاثاء و الأربعاء بـ ( ساقية عبد المنعم الصاوي ) مسابقة المايم و تقدم إليها عدد ( 10 ) فرق تم تصفية عدد ( 5 ) فرق و حصل البعض منهم على الجوائز و البعض الأخر خرج حزينا و كانت لجنة التحكيم مكونة من الفنان و الرسام الدكتور حسين العزبي، والأستاذ هشام جمعة، مهندس الديكور ، و الأستاذة سماء إبراهيم، فنانة الديكور و البانتوميم و التأليف المسرحي ، و الحقيقة ولا أخفى سرا أنني شعرت بالفزع من عدم معرفة أصحاب العروض المشاركة لفن البانتوميم ، بالرغم من سهولة البحث في عصرنا الحديث و بضغطه واحدة على زر الإنترنت تستطيع أن تأتى بأخر هذا الفن منذ أن بدأ ، فهناك العالمي الراقص الإنجليزي ( جون ويفر ) ، و أهم من أنتجوا فنون البانتوميم ( الإنجليزى ديفيد جاريك ) ، و أيضا ( الفرنساوى أوجست هاريس ) الملقب بـ أبو البانتوميم الحديث .
كذلك هناك من المشاركين من تعامل مع الموضوع بسطيحة و لم يكلف نفسه العمل بجدية و كان هذا واضحا جدا في مستوى العروض التي قدمت ، لكن إنصافا للحق كان هناك بعض المشاركين لديهم بالفطرة الإحساس بقيمة الموضوع و فقط لا ينقصهم سوى إثقال الموهبة بالدراسة الأكاديمية .. البانتوميم فن عظيم يرقى إلى عروض البالية و يستطيع أيضا النزول إلى العامة في الشوارع … ليجعل العالم سعيدا أو تعيسا فقط دون الكلام .