مثل أى مواطن مصرى عادى وطبيعى.. لا تحكمنى أو تشغلنى أى مصالح أو حسابات خاصة ومطامع حين أتحدث عن مصر.. إنما هى فقط مصالح هذا الوطن الذى لا أتمنى له إلا الخير والأمان والاستقرار والنجاح فى كل خططه ومشروعاته التى أعلن عنها وبدأها الرئيس عبدالفتاح السيسى.. ولستُ هنا أتحدث عن تلك المشروعات التى يحارب الرئيس السيسى من أجل اكتمالها ونجاحها بداية من تنمية سيناء ومنطقة السويس حتى العاصمة الإدارية الجديدة مرورًا بالطرق والزراعة والكهرباء والبترول والغاز والطاقة النووية وكل المشروعات الأخرى.. إنما أتحدث عن مشروعات عملاقة موجودة بالفعل وقائمة لكننا للأسف الشديد فشلنا كلنا فى صيانتها وإدارتها واستغلالها بشكل لائق وجميل.. ليس الرئيس السيسى فقط وحكومته ونحن كلنا معه.. ولكن فشل قبلنا كل رؤساء مصر وحكوماتهم ومسئوليهم والناس أيضًا جيلاً بعد جيل.. حتى إن أى أحد يتأمل تلك المشروعات وكيف فشلنا فى صيانتها وإدارتها سيحكم علينا بالتأكيد بالعجز والفشل وقلة الحيلة.
أول هذه المشروعات العملاقة والمهمة هى أهرامات الجيزة على سبيل المثال.. تلك التى ستبقى دومًا شاهدة على عظمة وقوة وتفوق أجدادنا الفراعنة وستبقى أيضًا شاهدة على فقداننا أى إرادة أو خيال أو حتى ذكاء جماعى.. فهذه الأهرامات كان ولا يزال ممكنًا أن تصبح أحد مصادر الدخل القومى لمصر.. فهى الشاهد التاريخى الذى ليس له مثيل فى الدنيا كلها.. والذى يرسمه كل أطفال العالم فى كراساتهم ويحفظون شكلها ويكبرون وهم يتمنون زيارتها ورؤيتها.. ونحن اعتمدنا على ذلك فقط.
بمنتهى التعالى والغباء تخيلنا أن العالم سيبقى طوال الوقت مضطرًا لأن يأتى من أجل رؤية هذه الأهرامات.. وبالتالى لم نبذل أى جهد.. لم نملك أى فكر.. لم نقدم أى فكرة أو خيال من أجل الاعتناء بالمنطقة كلها وتجميلها.. تركناها بالضبط كما كانت منذ القرن التاسع عشر أو الثامن عشر.. مجرد رمال وأتربة وقذارة ومهملات وطرق مكسرة وبضعة خيول وحمير ومواطنين شرفاء يبحثون عن الرزق بأساليب بدائية وسط عدد أكبر من أفاقين وتجار يبيعون للسائحين ضمائرهم وأخلاقهم.. لن يجد أى سائح وسيلة مواصلات محترمة ولائقة يذهب بها لرؤية الأهرامات.. لن يجد أى خدمات إذا أحب أن يجلس ليأكل ويشرب أو يستريح ويستمتع.. لن يجد مكتبات تبيع له تاريخ هذه الأهرامات ومعها الهدايا التذكارية التى يعود بها إلى بلاده بأسعار لائقة دون جشع ونصب واستغلال.
فالأهرامات بالتأكيد أكثر قيمة ومكانة من متحف اللوفر فى باريس على سبيل المثال.. لكن يكفى مقارنة المكان هناك بهضبة الأهرامات هنا لندرك حجم خيبتنا وعجزنا وفشلنا.. والأهرامات أيضًا لا يمكن مقارنتها بأى مدينة ملاهٍ تحمل اسم ديزنى.. وفارق كبير وهائل بين طريقة الوصول إلى ديزنى وكل ما يجد الذى يذهب إليها ومنطقة الأهرامات.. وهكذا أحلنا أكبر مشروعاتنا التاريخية والأثرية إلى مجرد أطلال مهملة لا ننتفع منها إلا بإعجاب العالم كله حولنا واحترامه لبُناتها الفراعنة وليس بالتأكيد لأحفادهم الذين أخفقوا فى المحافظة على هذا الميراث الغالى جدًا.
وما يقال عن الأهرامات يصح جدًا أن يقال عن معابد الأقصر والصعيد كله ودير سانت كاترين وجبل موسى وحتى قصر البارون أيضًا فى قلب القاهرة.. أماكن كثيرة مهمة وضرورية أهملنا وتعاملنا معها كأنها عبء مضطرين أن نحمله فوق أكتافنا.. بل إن ما يجرى الآن فى كوبرى قصر النيل هو جريمة حقيقية.. تاريخًا وتراثًا وأخلاقًا.. فهم يزيلون الأعمدة التاريخية التى كان يزدان بها هذا الكوبرى التاريخى ويقطعونها من جسم الكوبرى تحت دعوى أن بعضها مكسور أو بلا إضاءة.. وبالتالى أصبح هذا مبررًا لقطعها وإلقائها فى سلال المهملات أو ساحات الخردة أو ربما بيعها سرًا لمن يعرف قيمتها.. تمامًا مثل كوبرى أبو العلا الذى كان واختفى وتم بيعه كمجرد خردة.
المثال الثانى لتلك المشروعات التى عجزنا عن إدارتها والمحافظة عليها يمكن أن يكون مطار القاهرة الدولى.. الذى لا يشبه أى مطار آخر.. خمسون عامًا ونحن عاجزين عن ضبط أمور هذا المطار الذى لا يزال يختلف عن باقى مطارات العالم فى كل شىء أقلها نظام سيارات الأجرة التى يحتاج إليها السائحون والمصريون القادمون لبلادهم.. فى كل مطار فى الدنيا هناك طابور لتلك السيارات تلتزم فيه بدورها وطابور آخر لمن يريدون هذه الخدمة بعيدًا عن فوضى مطار القاهرة حيث يطارد سائقو هذه السيارات الركاب القادمين بإلحاح وإزعاج حتى داخل المطار نفسه.. تتبدل السلطات والحكومات والوزراء والضباط والكل يعجز عن تطبيق هذا الحل البسيط فى مطار القاهرة الذى هو واجهة مصر كلها ومدخلها.. الحل البسيط الذى هو النظام فى بلد لم يعد يعشق إلا الفوضى.. كما أن مطار القاهرة لا يزال المطار الوحيد فى العالم الذى تسمع فيه طيلة أيام السنة هذه العبارة الشهيرة جدًا.. كل سنة وأنت طيب.. وهى عبارة لا تقال بقصد إعلان الأمنيات الطيبة أو المشاعر الإنسانية الصادقة.. وإنما لا قصد منها إلا إخراج أى مال ممكن من جيب أى سائح أو راكب مصرى مسافر أو عائد.. سيسمعها السائح أو الراكب حين يهم بوزن حقائبه أو تسلمها أو حتى يسير بها فى أىٍ من طرقات المطار وصالاته.. مجرد نماذج لما يحدث فى مطار عشوائى وبدائى فاقد للنظام والجمال والأناقة حتى فى خدماته الضرورية المتوافرة فى كل مطارات الدنيا حولنا.
مثال آخر يخص نهر النيل.. الذى بالتأكيد أجمل أو من المفترض أنه أجمل وأكبر من نهر السين والراين فى أوروبا والمسيسيبى فى الولايات المتحدة.. ورغم ذلك لم يجرِ استغلاله بعد سياحيًا مثل بقية أنهار العالم الكبرى.. لا أقصد الرحلات النيلية شبه المتوقفة بين القاهرة والأقصر أو بين الأقصر وأسوان.. إنما أقصد النيل كساحة أنيقة للترفيه أو سبيل حقيقى للتنقل بين أرجاء القاهرة والجيزة بعيدًا عن زحام الشوارع وبشكل لائق وسهل ومحترم أيضًا.. كل ذلك رغم حديثنا الدائم عن غرامنا وارتباطنا بنهر النيل وامتناننا أيضًا باعتباره حياتنا وأماننا لكننا نجيد التفرقة بين أحاديث الغرام والهوى والتعب الضرورى لتحويل هذا الحب الصامت إلى نور وفرحة وحياة.. تمامًا كما نتحدث طوال الوقت عن شواطئنا الشمالية وسحرها وجمالها ورمالها وصفائها.. ثم ننسى طوال الوقت أن نقيم أى مشروع سياحى جميل وضخم ولائق فى هذا الساحل الشمالى يمكن أن يأتيه القادمون من الشمال ليبقى مقصورًا فقط على القادمين من القاهرة.. وأمثلة أخرى كثيرة ومشروعات أخرى كان من المفترض أن تكون ناجحة وجميلة ونحافظ عليها وننتفع بها ومنها أيضًا.. لكننا تركناها أطلالاً أو شواهد على إهمالنا وتراخينا وقلة الحيلة وقلة الخيال جيلاً بعد جيل.
وأنا لا أدعو لإعادة النظر فى كل تلك المشروعات المعطلة أو الخارجة عن الخدمة من باب الوجاهة أو اللياقة.. أو لأننى مثلاً أراها أهم من مشروعات أخرى ضخمة وحقيقية يسعى رئيس الجمهورية وحكومته ومساعدوه ومستشاروه لإتمامها.. ولكننى فقط أدعو للالتفات إلى مثل هذه المشروعات التفاتة جادة وحقيقية وتغيير واقعها وصورتها.. فسيكون ذلك تغييرًا ملحوظًا وملموسًا ومؤثرًا أيضًا.. وهذا هو ما تحتاج إليه الأمم والأوطان حين تمر بظروف صعبة وقاسية تدعو للتوتر والخوف والارتباك.. فأى تغيير حقيقى وجميل فى مثل هذه الظروف.. مهما يكن تغييرًا ثانويًا وهامشيًا.. يخلق تأثيرًا ضخمًا وإحساسًا بالأمل يحتاج إليه الناس وسيفرحون ويتمسكون به.. أمل فى أن مصر يمكن أن تتغير وتبدو أجمل وأكثر أمانًا واستقرارًا وانضباطًا وجمالاً أيضًا.