أحمد بدراوي
شهور من النقاشات واللقاءات، خاضتها الكنائس الثلاث فى مصر، الأرثوذكسية وهي أكبر المذاهب والأكثر عددًا، والكاثوليكية، والإنجيلية، لصياغة مشروع لقانون بناء الكنائس وصلت لقرابة 16 مسودة قانون، لتنفيذ الاستحقاق الدستورى للمادة 235 من الدستور، بأن يُصدر مجلس النواب فى أول دور انعقاد له بعد العمل بهذا الدستور قانوناً لتنظيم بناء وترميم الكنائس، بما يكفل حرية ممارسة المسيحيين لشعائرهم الدينية.
أجرى المصريون استفتاءً على الدستور فى مطلع 2014، ثم انتخبوا مجلس النواب الذى بدأت اولى جلساته فى يناير 2016، ثم حانت لحظة الحقيقة، وكاد دور الانعقاد الأول أن ينتهى ليدخل القانون للمجلس بعد غد الأحد.
طيلة كل الشهور، كان المواطن المصرى المسيحى خارج حسابات الدولة والكنيسة، لا الدولة أفصحت عن اتجاهاتها فى القانون، ولا الكنيسة أرسلت إشارات طمأنة لرعاياها حول القانون ومشاكل بناء الكنائس، الذى تكفى ترنيمة واحدة فى بيت مغلق أن تٌشعل نار الفتنة والتعصب فى نفوس المتطرفين كي يعتدوا على بيت بزعم إقامة صلاة بدون ترخيص فيه!؟، وكأن المواطن بحاجة لرخصة كيف يقابل ربه؟
الإعلام الرسمي للكنيسة لم ينجح فى إدارة الأمر منذ البداية، ترك رعاياه حيارى ـــ لا تحدثنى عن الصحفيين المختصين بالملف القبطي نحن خارج الحسابات أصلًا ـــ أحدًا لم يجبهم هل سيصدر القانون أم لا، وماذا يريد المواطن القبطي من الكنيسة في القانون؟!
تعاملت الكنيسة مع القانون كأنه سر حربى، أهل التخصص هم أدرى به، يدير الأنبا بولا، أسقف طنطا وتوابعها للأقباط الأرثوذكس، ومسئول لجنة العلاقات بين الدولة والكنيسة، ومسئول لجنة إعداد قانون بناء الكنائس، كيفما يرى، يخرج هنا وهناك فى الإعلام ليتكلم، ثم يصمت ليتحين لحظة جديدة ليتحدث فيها.
ترك الأنبا بولا، المواطن المسيحى تحت رحمة مصادر رفضت ذكر اسمها، لتحدثه عن القانون، هذا إن لم يكن هو أحد تلك المصادر.
السؤال، هل قانون بناء الكنائس من الأسرار المقدسة بالمسيحية، لتعتم الكنيسة عليها بهذا الشكل، ولماذا لم تخرج الدولة بنفسها ممثلة فى وزير الشئون القانونية ومجلس النواب، المستشار مجدى العجاتى، لتطمئن المواطنين مباشرة، دون حائل أو راعٍ، طالما أنهم مواطنون درجة أولى كاملي المواطنة.
البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية وبطريرك الكنيسة المرقسية للأقباط الأرثوذكس، يردد كل حين فى عظته الأسبوعية، أن هناك أصحاب مواقع يتقاضون أمولًا لترويج شائعات ما، وأن هناك كتابات فى الإعلام تثير فتن وتنشر كذبًا، وهناك أقلام مسمومة، فهل ذكر لنا البابا أحدهم لنتجنبه!.
يزيد البابا: لا تصدقوا أية قول إلا كلامى وكلام المتحدث الرسمى باسم الكنيسة”، وهو القس بولس حليم، مدير المركز الإعلامى الذى أنشأه البابا فى 2013.
فى أزمة القانون، لم يتكلم البابا بوضوح وبغضب إلا مرة واحدة حين خرج فى مقال منتصف يوليو الماضى، بعدد مجلة الكرازة المرقسية التى تصدرها الكنيسة وسأل “هل يحتاج المسيحى المصرى لتصريح لمقابلة ربه؟ “(1).
قداسة البابا، أنت خرجت وقلت فى تصريحات صحفية أن القانون جيد (2)، ووافقت عليه فى الخامس من شهر أغسطس الجارى، ثم خرجت الكنيسة بعد ذلك ووصفت القانون بأنه يهدد الوحدة الوطنية ولا يراعى الأقباط وذلك في بيان الخميس قبل الماضي 18 أغسطس، نصدق مين؟!
خرج الأنبا بولا فى 31 يوليو (3)، مع الإعلامى يوسف الحسينى ليؤكد أنه وقع بالموافقة على القانون، وأكد لكاتب السطور نفس الكلام، ثم فجأة وجدناه يعلن بعد أسبوعين من نفس التاريخ ليؤكد أن ليس هناك صيغة نهائية وأن النقاشات مستمرة!؟.
ما قالته المصادر، أن المسودة رقم 15، التى تم التوقيع عليها بالموافقة، أدخلت عليها الدولة بعد الموافقة تعديلات أثارت حفيظة ممثلى الكنائس، وأن المسودة رقم 16، التى وافق عليها مجلس الوزراء أمس هى المسودة النهائية التى صدرت بتوافق تام.
سؤال من الذى يضمن لنا ألا تضيع المسودة داخل أروقة البرلمان ولجانه ونوابه، ثم يتم إجراءات تعديلات جديدة فيها، لتظهر لنا المسودة 17 مثلًا، ثم بعد إقرار القانون، تفاجأ الكنيسة أن المسودة ليس هى 16، وانما أخرى بطبعة جديدة؟
والسؤال الأهم الذى أثار عاصفة انتقادات حركات قبطية هو خلو مسودة القانون قبل الأخيرة رقم 15، من أية إشارة لكلمة الصليب أو الجرس وهو ما تم إضافته في المسودة الأخيرة التى وافقت عليها الحكومة، مع حذف عبارة التنسيق مع الجهات المعنية، فهل وافق ممثلو الكنائس بما فيهم الأنبا بولا على مشروع قانون يتحفظ على ذكر كلمة صليب، أو وافق بالعودة للجهات المعنية ومنها الجهات الأمنية.
البابا تواضروس نفسه، قال فى لقاء بالكاتدرائية فى 25 يوليو الماضى مع وفد لجنة الشئون الدينية بمجلس النواب أنه لن يقبل سيطرة جهة معينة على القانون (4)، وهو ما أكد في مقاله الذي أشرنا له بالكرازة أنه “نتطلع لقانون واضح ليس فيه تمييز بين المواطنين بعيدًا عن الجهات الإدارية التي تفرض هيمنة غير مقبولة، وبعيدًا عن أية حساسيات أو فرضيات ليست على أرض الواقع”.
بل إن الأنبا بولا نفسه شكر الرئيس عبد الفتاح السيسى على الانفراجة التى حدثت فى القانون، فى 28 يوليو الماضى خلال لقائه بقصر الاتحادية مع الرئيس وهو اللقاء الذي رأسه البابا تواضروس ودعا له الرئيس القيادات الدينية بشكل عاجل، ثم جرى ما جرى، ليتدخل الرئيس بداية الأسبوع الجاري باستدعائه رئيس الوزراء لكي ينتهى من القانون، فهل يتدخل الرئيس مرة ثالثة حين يدخل القانون للبرلمان!.
ألا يمثل خروج بيان المجمع المقدس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية ليقول لنا “توافقنا على القانون” (5)، في منتصف ليل الخميس بعد 12 ساعة من اجتماع طارئ عن القانون، يؤكد وجود أزمة حقيقية في التعامل مع الشارع والإعلام، للدرجة أن الأقباط انتظروا أن يفصح البابا تواضروس عن ذلك في عظته يوم الأربعاء، لكنه حدثنا عن الموسيقى، رغم تفويض أساقفة المجمع له ليتحدث في الأمر، لتأتينا رسائل الطمأنة من القس اندريا زكي، رئيس الطائفة الإنجيلية.
كان يمكن أن تختصر الكنيسة شوطًا ووقتًا من الجولات، إن هي والدولة في نفس الوقت، أجريا حوارًا مجتمعيًا قبل وضع القانون، ولنا في سوابق قانون الانتخابات وأزمة اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية خير درس، لكننا جميعًا بما فيهم كاتب السطور لا نتعلم.