حالة من التعتيم المقصود تقودها حكومة شريف إسماعيل في الوقت الراهن حول مواد مشروع قانون بناء وترميم الكنائس المزمع مناقشته في مجلس النواب “الحكومي” الذي بليت به مصر بعد ثورة شعبية مجيدة قامت ضد النمطية والقولبة والسيطرة الأمنية، حالة التعتيم هذه التي سلم لها قيادات الكنائس المصرية قد أتاحت للصحافة بطريقة أو بأخرى تسريب أخبار عن منع وضع صلبان أو أجراس أو قباب أو منائر للكنائس في مشروع القانون المقترح لتصبح كنائس مصر بلا كنائس! مما دفع الأقباط وعدد من المسلمين الداعمين إلى التفاعل مع هذه التسريبات كنتيجة منطقية للتعتيم الحكومي الجاري، لتخرج علينا غادة والي، وزيرة التضامن الاجتماعي، مستنكرة عدم الثقة التي وجدتها من الأقباط تجاه الحكومة كأنهم قد أجرموا في ردود أفعالهم تجاه ملامح سوداء لمستقبلهم على أرض وطنهم، كيف تطالبين المواطنين بالثقة وعدم الانصياع للشائعات وأنتم تغلقون منافذ الشفافية والمصداقية في وجوههم؟ مع التذكير بأن تلك الحكومة التي تطالب الوزيرة الأقباط بالثقة فيها فشلت فشلا ذريعا في إدارتها لعدد من الملفات الهامة في الدولة منها التعليم والتموين والصحة، وما أفجع ما حدث على يديها في واقعة جزيرتي تيران وصنافير المصريتين، فهل من المفترض أن يثق أفراد الشعب في هذه الحكومة الفاشلة؟ إذا كانت إجابتك لا فغادة والي لها رأي آخر.
لم يكن التعتيم الحكومي أو الفشل الوزاري أو سلفية التوجه أو التسريبات الإعلامية فقط سببا في تصديق الأقباط لما أسمته غادة والي شائعات، ولكن بيان الكنيسة القبطية الحاد الصادر في 17 أغسطس الماضي كان كافيا لتصديق مثل هذه المعلومات المجحفة عن مشروع قانون بناء وترميم الكنائس، لقد وصفت الكنيسة في بيانها سالف الذكر تعديلات مشروع القانون بغير المقبولة وإضافاته بغير العملية، وأكملت، إنها سوف تسبب خطراً على الوحدة الوطنية المصرية بسبب التعقيدات والمعوقات فيها، حتى بيانها الأخير فيما يخص ذلك المشروع التشريعي المريب، لم يجزم بعدالة مواده ولم يوضح ما هي صيغته التوافقية بين الحكومة والكنائس، أليس من حق الأقباط وداعميهم من المسلمين بعد هذا التشويش وهذه العشوائية الحكومية والتشريعية أن يفقدوا الثقة في الحكومة والنواب؟!
في رأيي، التسريبات الإعلامية عن اختفاء مظاهر الكنيسة الأساسية من صليب وجرس وما شابه، قد احتوت على جزءا حقيقيا من مشروع القانون سرعان ما تغير بعد حالة الرفض الحادة لها من قبل الأقباط، لكن هذا لا ينفي قصور مواد القانون الأخرى التي لولا أنها تعاني من النقص لما فضلت الحكومة أن تخفيها عن الإعلام.
فكرة وجود قانون خاص ببناء الكنائس دون المساجد في حد ذاتها عنصرية، غاشمة، ولا تتمتع بأي حس إنساني أو وطني، ومع ذلك فإن الساعين لإصداره من الجهة الكنسية يخشون من عدم إصداره في الدورة التشريعية الحالية التي إذا ما انتهت بلا قانون ينظم بناء الكنائس ربما لا نرى تشريعا مماثلا لعشرات السنين القادمة فبحسب المادة 235 من الدستور الحالي، إصدار ذلك القانون لابد أن يتم في دور الانعقاد الأول لمجلس النواب، فإذا لم يصدر سيكون التسويف هو المنتظر من أجهزة الدولة، وهي أكثر صفة تجيدها حكوماتنا بمساعدة مجالس النواب على مدى العهود.
نحن أمام ثلاثة خيارات لا رابع لهم، إما إصدار قانون لبناء الكنائس تحت إشراف حكومي سلفي يرافقنا عشرات وربما مئات السنين بظلمه وتعنته، أو رفض ذلك القانون عينه ليواجه الأقباط مصيرهم القانوني والمجتمعي المجهول في هذا الشأن، أو قبول مشروعات قوانين بديلة لبناء الكنائس من أحزاب أخرى مثل حزب المصريين الأحرار مثلا الذي أعد مشروعا متكاملا مكتملا لتنظيم بناء الكنائس لم يناقشه مجلس النواب حتى الآن، ربما لأنه لم يذعن للتوجهات السلفية والأزهرية فيما يخص تفصيل وصياغة مواده.
الأكثر توقعا، إصدار مشروع القانون الحكومي لبناء وترميم الكنائس بكل ما فيه من عوار دستوري يميز بين المواطنين مع تجاهل تام للاعتراضات المدنية والقبطية، وتأييد كنسي مبهم، راضٍ بقليله، مسلم أمره إلى الله، تنصت له الشريحة الأكبر من بسطاء الأقباط، وموافقة أكيدة من مجلس النواب في ظل قيادة أمنية له أفرغته من إرادته التشريعية العادلة، خصوصا وأن امتناع النواب عن إصدار القانون يطعن في دستورية مجلسهم.
وإلى اللقاء مع وطن أكثر عدلا في أقرب وعيا قانونيا ممكنا.