ربما كان أفضل ما يمكنك أن تفعله إن أردت أن تتذكر فترة زمنية معينة .. أن تسجل أحداثها و تفاصيلها أولاً بأول .. أن تُبقي علي هذه اللحظات في سطورٍ أو كلمات تحتفظ بها لتعود إليها مرة أخري كلما استبد بك الحنين .. أو جرفك الشوق أن تذكر كيف كانت تمر عليك.. و كيف كنت تشعر و تحيا..!
تلك هي الطريقة التي إبتدعها بنو آدم لإنعاش الذاكرة .. و تخليد ذكرياتهم التي ربما لن تهم أحدا سواهم ..!
لقد كانت في الماضي تحتاج إلي مفكرة صغيرة .. وإرادة أن تكتب كل يوم ما كنا نعرفه بمذكراتك الشخصية.. التي كانت سراً حربياً لا يقرأه أحد سواك ..ليس لحرصك علي إخفاؤها عن الجميع فقط.. و لكن لأن أحداً لا يهتم أن يعرف شيئاً عنك من الأساس!!
أما الآن.. فقد إختلف الأمر كثيراً..
فمنذ أن إختفت الأوراق والأقلام.. وأصبح التسجيل إليكترونيا ..فقد أصبح الأمر لا يحتاج سوي أن تكتبها علي صفحتك الشخصية علي موقع التواصل الاجتماعي الشهير.. !
لقد تحولت مذكراتك التي كنت تدونها -لنفسك فقط- إلي مادة صحفية يقرأها هؤلاء الذين قررت أنهم سيصبحوا أسرتك الإفتراضية.. و جمهورك الذي جعلك تشعر – كذباً في الأغلب- أن ما تكتبه يستحق أن يقرأه أحد أصلاً!
إنها شهوة أن تصبح محور الإهتمام.. و محل الأنظار..!
شهوة أن تشعر أنك البطل في فيلمك الخاص بك.. وأن كل من حولك هم “كومبارس” لاقيمة لهم بدونك!
الطريف أن الأمر لم يقف عند هذا الحد.. فمنذ فترة قصيرة .. قرر الشاب “مارك” الذي يتحكم في عالمك الإفتراضي أن يجعل الذكريات فرضاً علينا ..فقد أصبح يعرض عليك عرضاً كل يوم أن تتذكر ما دونته في مثل هذا اليوم في أعوامك السابقة علي موقعه..! و هو عرض أعتقد أنه من النوع الذي “لا يمكن رفضه” كما يقولون!
كيف ترفض عرضاً يتيح لك أن تستكشف نفسك ذاتها من جديد؟!
د.محمد صلاح البدري يكتب: أسود وبقرص !!
في مثل هذا اليوم كنت فرحاً بنجاحك.. كنت تسب الإخوان.. كنت تنافق السلطة.. كنت مخطئاً.. بل كنت محقاً ذا نظرة مستقبلية ثاقبة..!
في مثل هذا اليوم كنت حزيناً لأنها تركتك في الحياة وحيداً بائساً.. أو كنت فرحاً لأول لقاء بينكما.. كنت غاضباً منها .. بل كنت سعيداً معها!
ستجد نفسك “التي كانت” في تلك اللحظات .. ستكتشف كم كنت ساذجاً.. أو كيف كنت تملك رؤية جيدة!
إنها مرآة صريحة كالتي كانت تقف أمامها ساحرة “سنوهوايت” الشريرة .. و التي تخبرك بحقيقتك التي ينبغي أن تواجهها دون نفاق .. إنها رسائل الماضي التي تخبرك بصراحة كيف كنت.. و كيف أنت الآن ..
لقد قرر “مارك” ألا يفرض عليك أن تعود الي الماضي قسراً.. ففقرة الذكريات قرار اختياري حتي هذه اللحظة.. و إن كنت أعتقد أن العرض أكثر إغراء من أن يرفضه أحد..!
لن يرفض أحد بكل تأكيد أن يري ماذا فعل في العام الماضي .. ماذا كتب و كيف كان يشعر..!
لن يرفض لحظة المصارحة اليومية التي سيشاهد فيها كل ما فعل .. سيتذكر الذين فقدهم من أصدقاؤه.. و سيذكر من إكتسبهم!
لن يعدم “مارك وسيلة جديدة ليزيد تعلقك به كل يوم.. و لن تتوقف أنت عن إستكشاف نفسك إذا تمكنت.. لن تقوي أن تقاوم معرفة كيف كنت.. في مثل هذا اليوم!!