طارق الشناوي يكتب: السبكي يعلن توبته النصوح على كاميرا نصرالله!

نقلًا عن المصري اليوم

لولا الدقائق الخمس التى قدمها المطرب محمود الليثى مع الراقصة إياها لما صدقت أبدا أننا بصدد فيلم من إنتاج أحمد السبكى، فهى توبة نصوح إلا قليلا، أعلنها السبكى على يد وكاميرا المخرج يسرى نصرالله.

سينما الأخوين السبكى بنوعيها -الكبير أحمد والصغير محمد- لو أردت تحليلها ستكتشف أنها تخضع أساسا للأحكام الأخلاقية هذا هو عمقها الحقيقى، نعم على السطح لديك الراقصة والمطرب والبلطجى، إلا أنه فى نهاية الأمر يعلن الندم على المعصية، حتى فيلم (حلاوة روح) الذى ناله القسط الأكبر من الهجوم الضارى باعتباره مروجا للفسق، رغم أنك تتعاطف مع هيفاء وهبى التى أدت دور(روح) فهى لم تمارس الرذيلة طوال الأحداث بل كان مجنيا عليها، هناك فرق أن تصف الفيلم بالرداءة الفنية و(حلاوة روح) كذلك، وبين أن تعتبره سر فساد المجتمع، إلا أننا بقدر لا ينكر من الاستسهال دأبنا أن نعتبر أفلامه هى المسؤول رقم واحد عن البلطجة والتسيب وتفشى الجريمة، ونغفل دور الدولة فى ضبط انفلات الشارع، السبكى فى النهاية يفرض على كل مخرجى أفلامه الالتزام بمكارم الأخلاق، راجعوا مثلا نهاية فيلمه (الفرح) والتى شاهدنا فيها نهايتين، الأولى لمن لا يلتزم بالخلق القويم وكيف سيلقى جزاءه بالقتل، بينما الثانية لمن يلتزم ستفتح أمامه أبواب السماء، كل الأفلام السبكية مهما تواضع مستواها الفنى، وارتكب أبطالها العديد من الموبقات، فإن الدرس الذى ينتظرهم فى النهاية هو العقاب الصارم، خاصة لو كان الجرم له علاقة بالجنس الحرام، بينما فى (الماء والخضرة والوجه الحسن) ليسرى نصرالله، لم يكن هذا هو هدف المخرج ولم يشغله من قريب أو بعيد البعد الأخلاقى، فهو لم يحاسب أبطاله عن أخطائهم، ولم يسمح للسبكى بأن يُملى عليه إرادته.

الفيلم قبل الولوج إليه يجب أن تتوقف أمام اسم يسرى نصرالله، الذى صار هو الأكثر تواجدا فى السنوات الأخيرة عبر المهرجانات الدولية ممثلا السينما المصرية، وبالطبع يسرى يعرف شفرة التواصل، وهذا بالطبع لا، ولكن بالإضافة للشفرة فهو أيضا يقدم شريطا سينمائيا قادرا على جذب منظمى المهرجانات ناحية أفلامه، فلقد كان هو ممثل السينما المصرية داخل المسابقة الرسمية لمهرجان (كان) عام 2012 بفيلمه (بعد الموقعة)، بينما فيلمه التالى (الماء والخضرة والوجه الحسن) عائد لتوه من داخل المسابقة الرسمية لمهرجان (لو كارنو)، عاد الفيلم طبعا بلا جوائز فلم يعد طموحنا فى الحقيقة يصل إلى الجائزة، صار السقف هو التواجد داخل المهرجان وأصبح هو الجائزة، الحقيقة الدامغة أمامنا، هى أننا قليلو الحظ فى الحصول عليها، بل إن مجرد تواجدنا فى المهرجانات لو قارنته بالعديد من الدول العربية مثل تونس وفلسطين والجزائر والمغرب لوقفت السينما المصرية فى نهاية الصف.

ويبقى أن علينا مشاهدة الشريط وما يسفر عنه بعيون محايدة، المشاركة فى مهرجان لا تعنى أن نضرب لصُناعه تعظيم سلام، فى السنوات الأخيرة مثلا وجدنا يسرى نصرالله والذى بدأ مشواره نهاية الثمانينيات بفيلمه الروائى (سرقات صيفية)، بمهرجان (كان) فى قسم (أسبوعى المخرجين) بسينما حداثية على مستوى السرد فى الرؤية الدرامية والإخراجية، لا تستطيع أن تقول إنه شاهينى النزعة، بل هو فقط ينتمى إلى نفس المدرسة الأسلوبية التى يمارسها أستاذه، ولهذا ارتبط به كمساعد كمخرج لأنه يفكر بنفس النهج، وعندما تغير مؤشر شاهين كان لابد أن يتوارى نصرالله، لتبدأ مرحلة خالد يوسف الساعد الأيمن للأستاذ. كانت ولا تزال بداخل يسرى رغبة لكى يصل للناس أفلامه (سرقات صيفية) أو (مرسيدس) وصولا لـ(جنينة الأسماك) لم تحقق له التواصل مع الناس، ولهذا يصل بمحطته إلى (إحكى يا شهرزاد) للكاتب وحيد حامد، وهو أشهر وأهم كاتب فى جيله، ومنذ مطلع الثمانينيات وهو يُقدم الرؤية الكلاسيكية والتى يحرص أن تظل دائما على موجة الناس، المزج بينهما أقصد وحيد ونصرالله أسفر عن فيلم ينتمى فى نفس الوقت للاثنين، وتأتى المرحلة التالية بمعادلة أخرى قائمة أيضا نظريا على التناقض بين منهجين، السبكى بتوجه إنتاجى مرتبط مباشرة بالشارع، والسيناريو مشترك بين أحمد عبدالله والذى أعتبره هو الذى يشكل بكتاباته فى الألفية الثالثة القسط الأكبر من روح السينما المتواجدة بالشارع، التى دأبنا على أن نصفها بالشبابية، وصار أيضا من أكثر الكتاب مساهمة فى سينما السبكى، الذى يفرض تفاصيل عديدة على كل من يتعاون معه، وهكذا كان هذا المزيج على الورق.

الشريط فى مفردات الصورة والصوت به شىء من الاثنين معا ولكنه فى عمقه يعبر عن قناعات يسرى، إلا أن هناك غربة ما عن الروح المصرية فى طبيعة علاقات الحب وتلمح تحررا، ولا بأس بالتحرر ولكن المشكلة هو أنه يشعرك وكأنه لا يدرك حقيقة تركيبة الإنسان المصرى والشرقى، فتجد فى مشهد منة شلبى ابنة عم باسم سمرة وخطيبته تخبره ببساطة أنها تحب شقيقه الصغير أحمد داوود وهو ببساطة أشد يؤكد لها أنه يحب ليلى علوى وينتهى الأمر على أساس أن كلا منهم فى نهاية الأمر يذهب لمن يحبه ويا دار ما دخلك شر، بدون أن تستشعر أبدا صعوبة الموقف عاطفيا.

السيناريو ينقصه الروح الواحدة والمزاج الفنى الواحد، فلم يضبط سينمائيا هامش من الفانتازيا، كما أن روح المرح التى تنساب فى الأحداث يحدث فيها شىء من التحول عند مقتل الشاب الذى يؤدى دور مطرب مهرجانات محمد الشرنوبى، وفى لحظات نستشعر أننا بصدد فيلم كارتون عندما تُطلق صابرين فى نهاية الأحداث خلايا النحل على الجميع.

صابرين تؤدى دور امرأة ثرية تريد شراء بيت الطباخ الذى هو يشكل القوة الضاربة التى تعبر عن روح قرية بلقاس فى الدقهلية وأدى دوره علاء زينهم فى أول تواجد سينمائى له بهذه المساحة الرئيسية دراميا، وهو فى نفس الوقت بمثابة الحارس الأمين على القيم النبيلة فى العائلة، إنها سينما الحالة وليست الحدث بل تبدو الأحداث فيها مملوءة بالهشاشة الفنية.

كالعادة الاشتهاء الجنسى فى اللحظة الأخيرة يصبح هو النذير بالموت، وهكذا يلقى الطباخ الكبير وعميد العائلة حتفه بعد شروعه فى ممارسة الجنس مع إحدى السيدات الفقيرات فى القرية، محمد فراج زوج صابرين وذراعها الأيمن هو المحرك للحدث فى تنفيذ خطة الاستحواذ على بيت الطباخ القديم لتحويله إلى مصنع ضخم لصناعة الأغذية ويحاول استقطاب أحمد داوود ابن الطباخ لجانبه بينما يقف على الجانب الآخر باسم سمرة.

اللحظة المفتوحة الممتدة هى التى نعيشها مع الفرح والطقوس المعتادة، حيث تتواجد عائلة الطباخ، التى يشارك فيها الجميع وتمنح الفرصة لليلى علوى ومنة شلبى للرقص على اعتبار أن رقص النساء فى الأعراس هو طقس متعارف عليه، كما أن صناعة الأكل تمنح أهل الطباخ فرصة ذهبية للكشف عن الصراعات الداخلية بينهم، الفيلم يحاول وتلك هى المشكلة أن يبحث عن أحداث يملأ بها الزمن حتى يكسر الإحساس بالرتابة، وهكذا مثلا يأتى زرع شخصية المرأة النهمة جنسيا، وعلاقتها مع أحمد داوود، كما أنه يشعرك أن كل الشخصيات مصنوعة بفكر كارتونى كبناء سينمائى، الأجواء الريفية التى كان فيها الأكل حاضرا بقوة تجدها بتوظيف سينمائى مبهر فى الفيلم الرائع (خرج ولم يعد) لمحمد خان، حيث كان حضور الطبيعة طاغيا أيضا، وهو ما حاول نصرالله تقديمه فى فيلمه مع الفارق والذى كان لصالح (خرج ولم يعد).

الفيلم يبدى حرص المخرج على تلاقى الأجيال ليلى علوى ومنة شلبى، منة بحضورها وليلى برسوخها الفنى، ولكن لا أتصور أن الفيلم يشكل إضافة حقيقية لأى منهما، ويبقى باسم سمرة الذى صار بطلا ثابتا فى سينما نصرالله، ولا شك أن باسم وجه معبر وممثل موهوب منذ (المدينة) فيلمه الأول مع يسرى، إلا أن ثبات الممثل ليس فى صالح المخرج.

(الماء والخضرة والوجه الحسن) ينقصه شىء من الحميمية، صحيح به قدر منها كما أن به شيئا يسير من خفة الظل إلا أن المطلوب فى مثل هذه الأفلام كميات مشبعة من هذا الفيض وهو ما أخفق فيه الفيلم.

لم ينضبط (الماء والخضرة والوجه الحسن) على موجة الناس، ولكن سيحسب لنصرالله، أنه استطاع فى كل الأحوال أن يُقدم فيلما ينتسب له، بينما يبدو السبكى هذه المرة مثل الريس حنفى فى (ابن حميدو) بعد أن نزلت كلمته الأرض، ولم يعثر فى الشريط على أثر لأفكاره!

نرشح لك

 طارق الشناوي يكتب: التورط ممنوع والغضب مرفوع!