نقلاً عن صحيفة “الجزيرة” السعودية
مساحة شاسعة تفصلنا بين صحافة الفاكس والورق، عبورا للإعلام الجديد أو المتجدد.. وقبله البث الفضائي، وما حملته وتحمله الثورة الرقمية والصحافة الإلكترونية.
جيل محظوظ من الاعلاميين مر بهذه المساحة المتحركة، والأكثر حظا من استفاد من التجربة ووظفها، وأكثرهم حظا من سيبقى شاهدا لتحولات تقنية ومهنية مثيرة بالانتظار ومجرباً لها..!
والأكثر تعاسة أو الأقل حظا هو من لم يتوقع القادم، ولم يأخذ بجدية هذه الفتوحات التقنية المتواصلة، أو يصر على تجاهلها، أو الاستخفاف بتأثيرها وفعاليتها وصوتها أيضا..!
حركة وتطورات متتالية غيرت وبدلت بالجملة الكثير من الأساليب التقليدية لممارسي الإعلام ودارسيه.
قبل سنة ونصف تحديدا وحين شرعت بدراسة الدكتوراة، كان مشروع أطروحتي عن «الأساليب الإعلانية المؤثرة في الإعلام الجديد»!، لكن بعد نحو عام، تحول الموضوع للتأثير التقني والسلوكي للمتلقي للإعلان، أصبح البحث الآن عن «سلوك المتلقي لتفادي الإعلان عبر القنوات الفضائية والمنصات الرقمية»؟.. لاحظ كيف أتاحت التقنية الحديثة نمطا جديدا من المشاهدة، تماما كما يرغب ويتمنى المتلقي، لكن هذا النمط من الدراسة يقترح أساليب أكثر فعالية، فنية وتقنية، وإبداعية كذلك، لنفاذ الرسالة الإعلانية، نفس الحالة، وربما أقل تعقيدا، في مهارة إيصال الرسالة الإعلامية..!
من الطبيعي أن تظهر التغيرات التقنية على الصناعات الحيوية، والإعلام إحدى أهم الصناعات اليوم، ويجب أن ننظر للإعلام بشموليته كصناعة ضخمة تبدأ بإنتاج المحتوى وتصميمه وتوزيعه وتقديمه وتدويره.. عبر عدد هائل من الوسائل المسموعة والمقروءة والمرئية، وسائل عابرة للجغرافيا وتتحدى الزمن في شبكات عالمية متعددة اللغات والاهتمامات والجمهور.. ولكون الإعلام متجها للجمهور وإليه، نشهد بشكل فعال تأثير التطورات التقنية ووسائل الاتصال عليه بشكل سريع ومكثف.
هدف أي مشروع أو وسيلة إعلامية -مهما كان حجمها- الوصول لأكبر عدد من الناس، التأثير الذكي والتفاعل الماهر معهم، وهو ما تمنحه بسهولة وتعقيد أيضا وسائط متنافسة في تطورها للإعلام الجديد والاجتماعي.
وهذا في الحقيقة ما يحدد اليوم بقاء أو اندثار وسائل الإعلام التقليدية.. من يستطيع منها الاستيعاب الجاد والاستثمار للبقاء مع الجمهور الحديث الممسك بزمام وناصية وسائل التواصل والإعلام الاجتماعي، صاحب القرار والتأثير والحكم اليوم.
تلك المعادلة القديمة للرسالة والمرسل والمستقبل تعيد بشكل ثوري إعادة تقييم وتوزيع ثقل التأثير والقيمة بين أطراف الاتصال.
أنسى الآن أطنان الأوراق.. والشاشات الفضائية العملاقة التي لا يمكن اللحاق بها، ورغم أن الوقت مزدحم بالكثير، إلا أنه حتى في لحظة الوقوف أمام شاشة التلفزيون متى ما أتيح لنا ذلك، حتى تلك اللحظة التي قد يوجد فيها وقت لمتابعة محطة ما، ستكون الشاشة الصغيرة حيث الهاتف المتحرك مرافق للمتابعة، ومشوش أو منافس لها.. وها هو اليوم يصبح «الريموت كنترول» الفعلي، وجهاز التحكم الذي يأخذنا إلى محتوى يصل إلينا بشكل جذاب، وعلى أي صيغة كانت..!
وسائط ووسائل جديدة تتنافس لجذب انتباهنا، حتى أصبح تركيزنا مشتتا أمام غزارة المعروض، ودعوات الإغراء لجذب انتباهنا.. هذا المتلقي -مهما تكن توجهاته- أصبح سيد الموقف والاختيار.. وإهماله أو تجاهله يعني نهاية الوسيلة.. نهاية القصة والحكاية!.