دائما المعادلة لم تكن تمت للعدالة بصلة ، ربما لأن البعض أراد فهم جزء واحد من الحقيقة يخدم مصلحته الشخصية ، أو أنه يري فى الجانب الذى يتبناه ما يرضي ثورته الداخليه ، لكن على الأرجح فأنا لا أميل إلى الجهة التى ترى كل الأشياء بنظرة سوداوية ، لكن و برغم الواقع المر و الغير متزن فدائما هناك باقة نور تحمل أمل للغد ، فما بين الليل و النهار تحدث المفارقات التى ربما تغير فى حياة البشر بمجرد فكرة تشع فى رأس شخص يتبناها شخص أخر …
و فى إطار أستضافة العروض الشبابية و إتاحة الفرص لها للعرض على الجمهور الحر ، أستضاف المخرج الشاب / أحمد السيد مدير مسرح أوبرا ملك العرض المسرحي ( فنطازيا ) و لمدة خمسة أيام متتالية ، تأليف / مفيد منير ، إخراج / مايكل تادرس ، و العرض ينتمى إلى الكوميديا و تحديدا ( الكوميديا السوداء ) و التى بإختصار شديد قائمة على أستخراج الضحك من قمة المأساة و يمكن الإشارة إلى أعمال شبيهه حتى يتم توضيح الصورة بشكل أقوى ، فيلم ( عسل أسود ) الذى قدمه الفنان / أحمد حلمى ينتمى لـ ( الكوميديا السوداء ) تأليف / خالد دياب ، إخراج / محمد بكير ، و كذلك مسرحية ( 1980 و أنت طالع ) تأليف / محمود جمال ، من إخراج / محمد جبر ، و كذلك فيلم ( فبراير الأسود ) من تأليف و إخراج / محمد أمين ، هذه النوعية من الأعمال كلها تشترك فى مأسي من خلالها يتم أستخراج الضحك ، و الضحك هنا ليس من أجل الضحك ، و إنما الضحك هنا هو نوع من السخرية التى ربما من الممكن أن تكون غائبة عنا حقيقتها و من ثم يتم تجسيدها من خلال خشبة المسرح ، و دعونى أشبه الفكرة ببساطه ، مثلا لو هناك مجموعة من الأصدقاء يأخذون صورة مع بعضهم ، و أحدهم كان يضع أصبعه فى أنفه ، عندما يرى الصورة سوف يضحك هو و من معه ، و فى المرات القادمة سوف يتلاشي وضع أصبعه فى أنفه حتى لا يظهر فى الصورة بشكل غير لائق .
هذه هى وظيفة الضحك ببساطة ، هو أن نسخر من أوضاعنا التى ربما لا نراها ، ثم نقوم على تغييرها حتى لا نوصم بالعار ، و لكن هل أصبح المسرح يؤدى هذا الغرض و يغر من المجتمع ، فى حقيقة الأمر و الواقع …. لاااااا ، و لكنها محاولات ربما أصابت فى وقت لم نتوقع أن تصيب .
العرض المسرحى لم يتخذ مخرجه منهجا واحد يسير عليه ، و إنما أخذ من كل بستان زهرة ، ربما البعض يرى أنه عرض مشوه و كان لابد له أن يتخذ منهجا واحدا يسير عليه طوال العرض ، لكننى لم و لن أكن قاسيا فى التجارب الأولى لأصحابها ربما لأننى يوما ما أدركت أن القسوة ربما تنهى حياة فنان أو تحوله إلى شخص مختل نفسيا يصدر مرضه من خلال عمله كفنان ، و أثرت أن أتخذ لغة الحوار حتى مع الأجيال القادمة علنا نتلاقي فى نقطة وصل من خلالها نتفق أو نختلف ، لكن لا نحمل ضغائن لبعضنا البعض ، لأن كلانا هدفه الفن و لكن شخص يتخذ طريقا يرضى قناعاته الشخصية و ما علينا إلا التوجيه .
العرض أخذ من ( جروتوفسكى ) الأعتماد كليا على الممثل ، و عنوان ( جروتوفسكي ) كما تعلمناه حرفيا هو ( المسرح الفقير ) ، المسرح الخالى من جميع القطع الديكورية ، عبارة عن خشبة مسرح فقط يقف عليها الممثليين ، و هذا المنهج يحتاج ممثل قوى ، حرفجى ، مدرك جيدا لأدواته ، يستطيع أن يتغير و يتلون فى كل لحظة ، لديه متسع من الخيال لأستحضار أى فعل بأى شكل فى أى وقت ، ربما نجح بعض الممثليين الذين شاركوا فى العرض على العمل بهذا المنهج و منهم مثلا الممثل ( سامى سعد / دعاء دسوقى / مايكل تادروس ) ، و أثبتوا بوجودهم على خشبة المسرح أنهم يتمتعون بخبرات سابقة ليست بالقليلة .
الجزء الأخر الذى أتخذه مخرج العرض هو المنهج البريختى ( برتولد بريخت ) و الذى يعتمد على بعض التفاصيل الصغيرة كوضع كرسي أنتريه مثلا فى مكان فيوصل للمتفرج أن هذه شقة ، أو وضع كراسة و أقلام و حمل شنطة على الظهر فيعرف المتفرج أنها مدرسة ، كذلك الخروج من العرض و الرجوع له عن طريق وجود راوى ربما حل محله بعض الأغانى التى كان يؤديها الواقفين على يمين و يسار المسرح ، لكن هذا ليس كله ( بريخت ) فالأساس عند بريخت هو كسر الإيهام و الخروج عن المعتاد و الذى أري من وجهة نظرى هو محاولة إفاقة للجمهور الذى يدخل مع العرض فى حالة إيهام حتى يعتقد أنه جزء من الحدوته ، فى حين أنه لا يجب أن يكون جزء من الحدوته ، فهو هنا لكى تعرض عليه المشكلة لا أن يكون جزء منها داخل المسرح ، لكنه بالفعل جزء من حقيقتها ، و بالتالى كان لزاما الخروج و الدخول إلى عالم الحدوته و ذلك لكسر حالة الإيهام عند المتفرج الذى يجلس فى الصالة قابعا فى ذاته منسجما مع العرض المسرحى .
العرض المسرحى ( فنطازيا ) أعتمد حتى فى تسميته على تضخيم الأسم فى النطق كنوع من أنواع السخرية ، فهو فى النهاية يعكس أوضاع مصر السيئة من صحة و تعليم و تدهور للأخلاق و أنهيار للفكر السياسي كما يراه مخرج العرض و مؤلفه .
إجمالا العرض المسرحى أستطاع أن يوصل رسالته ، ربما لم يحسن أستخدام المنهج بشكل صحيح فى بعض الأحيان ، لكن هذا لا يخسف حقهم فى الأجتهاد حتى يخرجوا علينا بعرض شيق ممتع .