حسين إسماعيل يكتب: الـ"أندرجراوند".... العالم المستقل الوهمي - E3lam.Com

السينما المستقلة، المسرح المستقل، الحزب المستقل… إن هي أسماء سميتموها أنتم، أو على أضيق الحدود في العالم العربي، ففى البلدان العربية التي أعرفها جيدا لا يوجد شيء مستقل نهائيا حتى لو حمل اسم الاستقلال، فكل ما في الدولة يخضع لقانون الدولة أو قانون الحكام، وأنا شخصيا لا يضايقني ذلك وخصوصا بعد أن رأيت ما حدث بعد ثورة يناير، فالإنجاز الوحيد الذي حدث جراء تلك الثورة هو تغير الشعب، ماتت القيم أو التي كنا ندعي أننا نحملها، اختفت البسمة، تفشى الكذب بقوة، تعرت وجوه الناس وثبت لي أنه ليست وحدها الحكومة هي الفاسدة، بل نحن الشعوب أيضا أكثر فسادا، والله لا يظلم أحدا، إنما يعطينا حاكما نستحقه، وكاذب من يقول إن هناك فن غير العالم، لا يوجد في العالم شيء تغير سوى بالعلم، أو بالقوة العسكرية، أو بالفكرة، سواء كان دين أو مبدأ أو اتجاه سياسي، أما تلك الجملة المزيفة التي تقول إن الفن غيّر العالم فليس لها أساس من الصحة… فالفن إنما يدعم فكرة ما في المجتمع، يختزل وضعا ما، إنما لا يُغير تغييرا جذريا إلا إذا كانت الأرض خصبة وتتغير وحدها بفعل آخر كما ذكرت من قبل…

الـ أندرجراوند (Underground).. الكلمة لا تحتاج بحثا ولا تفسيرا ولا معاني، الغرض من التوصيف لكلمة تحت الأرض هو تلك الفنون التي تأتي من الشوارع الخلفية لضواحي الحياة، والتي أراها فنونا مشوهة لا تعتمد على فكر أو وجهة نظر أو حتى مبدأ، وأعرف أن هناك من سيخرج علي ويشتمني بطريقة الراب حاملا معه بعض أسماء الفنانين الذين لم يتعلموا ولهم فنون يتحاكى عنها العالم، وقبل أن تطرح هذا السؤال أحب أن أخبرك عزيزي أنه قد تغيّر شكل العالم ومعانيه ومتطلباته، وبالتالى تغيرت معه حتى المواهب و شكلها، الحياة يا عزيزي لم تعد “أورجانيك”،  والعالم أصبح مزيفا بكل ما فيه، بموسيقاه، بفنونه الأدائية، لا يوجد حقيقة في هذا العالم الغير متزن لا أخلاقيا ولا فكريا.. كل الأفكار تغيرت والمبادئ انهارت، فنحن يقينا نعيش في آخر هذا الزمان، وفنون الأداء في الشارع لم تظهر جلية واضحة في بريطانيا منذ 40 عاما كما قرأت في إحدى المقالات، بل إن الأرض منذ بدايتها والفنون تؤدى في الشارع..

الكارثة الحقيقية هي أن هذه الفنون ليس لها شكل حقيقي إنما هي مجرد مسخ، موسيقي غربية على كلمات عربية على مقامات لا يوجد لها تصنيف، كلام لا هو بالشعر ولا بالنثر ولا حتى كلام عادي من الدارج في الشارع، الفن الحقيقي الذي خرج من الشارع ومن حوارينا وسوف يدخل في عداد الفنون الوقتية بعد سنين – ويؤسفنى أن أنعته بكلمة فن –  هو تلك المهرجانات التي خرجت من الشارع، فبعضها يحمل كلمات تنتمي لتيار العبث مثل (قصدت الباب ونازل قدام بيت الجيران، واحدة عملتلي عمل عالأرض وعالحيطان…. الناس عايزة إيه، الناس بتعمل إيه..) ثم الاستنجاد بالحسن والحسين (يا طاهرة يا أم الحسن والحسين اكفينا شر العين)… برغم رفض الموسيقيين الأكاديميين، ورفضي أنا شخصيا لهذا النوع من الموسيقى، إلا أنه لاقى استحسانا حقيقيا بين الجمهور العريض من الطبقات المطحونة الذين وجدوا فيه حكاويهم ومآسيهم بعد أن اختفت الحكايات الشعبية التي تصف أحوال قاطني المناطق الفقيرة وتسلسل الوهم داخلها..

أيضا لو بحثت في بعض الأغاني (مفيش صاحب يتصاحب ولا راجل بقا راجل …) هي انعكاس لخيانة الأصحاب والفرقة التي وقعت بينهم، ورغم أن هذه الأغاني التي ظهرت، مستقلة بشكل فوضوي عن طريق الصدفة، ورغم أنها لاقت استحسانا كبيرا ولم يتطرق إليها الفيلم في بداية سنواته وظهوره، إلا أن هذا النوع من الأغاني سيختفي في وقت قصير جدا لأنه ليس له أساس، ليس له جذور، الفن مثله مثل الشجرة إن لم يكن لها جذور فلن تقف على الأرض، فالفيلم لم يكن منصفا لبعض الفنون، وأيضا لم يكن منصفا لبعض أماكن التصوير، فعند ظهور فلسطين يكتب العنوان على الشاشة (إسرائيل / مطرب فلسطيني) فهل منتج الفيلم لا يؤمن بالقضية الفلسطينية…؟

والسؤال الأخطر للرجل الذي يغني أغنية (أرحل سليمان) فأعجبني نضاله بشكل قوي، فهو يغني الأغنية في الحانات ويرقص عليها الحاضرون… كيف بالرقص والغناء ترحل القوى العسكرية..؟ هذا نضال لا يفهمه أمثالي الذين عاشوا في مآسي الحياة وفي الحارات الشعبية..

أنتم يا من تتحدثون عن العالم أفيقوا من غفلتم، العالم لا يتغير للأفضل إلا بالعلم، لا بالرقص ولا بالموسيقى ولا بالسينما، ولا بالفنون، الفنون فقط هي انعكاس للحضارات لتشكيل وعيها وحفظ تاريخها، أما هذا الذي تؤمنون به أنه سيغير العالم… فإنه لن يغير ملابس طفل صغير… أنتم لا تنتمون لفنون ما بعد الحداثة… لأن العالم العربي لم يصل بفنه أصلا إلى الحداثة…

تقنيا، تعجبني في الفيلم هذه الصورة التي تحمل في طياتها رائحة القديم الملون، بخلاف شريط الصوت الذي أغفل تفاصيل كثيرة؛ منها التنقل من حيث المكان بمؤثراته، ووجود صوت الراديو من داخل الأستديو، والتنقل للشارع، أيضا الفيلم تغافل عن أنواع أخرى من الموسيقى، وطالما اعتبرناه فيلما وثائقيا، فيجب عليه أن يوثق الفترة كاملة، ولا تحدثني عن أفلام وثائقية أغفلت بعض الأعمال وتأخذها مثال، فهم أيضا خاطئون…