نقًلا عن البوابة
أصدق تعبير عن حكمة الفيلسوف اليونانى (أنك لا تستطيع النزول إلى نفس النهر مرتين).. ذلك الذى ينطبق على «أنهار» السياسة. مقارنة أو محاولة استنساخ قائد أو رئيس بمن سبقوه هى أقرب إلى تعبير أهل بلاد الشام (طق حنك) إذ هى وفق كل متغيرات السياسة مجرد كلمات.. لا تقترب من القراءة الدقيقة. الصورة السياسية فى إطارها العام قد تحتمل استحضار مواقف محددة من التاريخ تتقاسم أوجه شبه مع واقع الحاضر لكنها قطعا لا تقتضى إعادة بعث نفس ردود الأفعال السياسية التى تبنتها الدول حين تعرضت عبر تاريخها لهذه المواقف الصعبة. الحراك السياسى المتقلب أيضا يفرض تجاوز البقاء تحت أسر حالة «الكهنوت» فى معابد المؤامرة والمقارنات السياسية بهدف تطبيق نفس حلول أزمات الماضى كعلاج للحاضر.
منذ ٣٠ يونيو ٢٠١٣ يتحمل شعب مصر على عاتقه ضغوطا هائلة من العالم سياسية إعلامية اقتصادية.. بالطبع جانب كبير منها يركز على الجيش وقائده آنذاك – الرئيس عبدالفتاح السيسي- لمجرد أن هذه المؤسسة الوطنية اختارت -من المنظور الغربي- «نار» الانحياز إلى الشعب بدلا من «جنة» التفاهمات السرية معهم. أصبح كل حدث مهما بلغت بساطته تحت مجهر الانتقاد حتى فى قضية عابرة وخاصة بمجموعة مذيعات فى التليفزيون المصرى يحدث ربط فى تحليلاتهم بين أسبابها و«أسطوانة» الانقلاب المشروخة. حالة الترقب أو التحفز تُعيد إلى الذاكرة أجواء الشحن السياسى والاتهامات التى مارستها قوى دولية ضد مصر بعد قرار الرئيس جمال عبدالناصر تأميم قناة السويس عام ١٩٥٦.. بينما أمريكا تتأهب لاقتناص دورها كقوة عظمى سعى «أيدن» وزير خارجية بريطانيا مع دعم فرنسى إلى تأليب المجتمع الدولى ضد مصر – تحديدا عبدالناصر- وكما انزلقت هذه الحملات الشرسة إلى مستوى الخصومة الشخصية ضده تظهر ملامح النبرة ذاتها على معظم التحليلات الوافدة من أمريكا وبعض دول الغرب حول الشأن المصرى.. المشاريع الاقتصادية والمواقف السياسية الوضع الأمنى.. كلها لا بد أن ترتبط باسم الرئيس السيسى فى الصياغة السلبية لما يُكتَب.
الرؤية «الانتقائية» للشأن المصرى انتقلت بملامحها العامة من ١٩٥٦ إلى ٢٠١٣.. الأزمات الاقتصادية فى مصر –وفق معظم كتابات الإعلام الغربي- هى فقط نتيجة سياسات الرئيس السيسي.. دون كلمة واحدة عن حقيقة الأبعاد الاقتصادية كنتيجة للتغييرات السياسية التى توالت على الشارع المصرى منذ ٢٥ يناير ٢٠١١.. وهو ليس «بدعة» مصرية.. لكنها حقيقة واجهت جميع ثورات العالم ولم تستطع الدول تجاوزها إلا بمشاركة ودعم الوعى العام لشعوبها. ثلاث سنوات لم تنقطع «النغمة النشاز» من وسائل الإعلام ومراكز البحوث والدراسات -التى ما أنزل الله بها من سلطان- فى أمريكا.. وطبعا ارتباط هذه الجهات بدوائر صنع القرار السياسى لم يعد من الأسرار التى تخفى على أحد. رغم أن المقارنات بين أسلوب إدارة الأزمة سياسيا عام ٥٦ والمرحلة الحالية لن تجدى مع اختلاف الأجواء السياسية. المؤكد أن مؤسسة مهمة حيوية مثل الهيئة العامة للاستعلامات التى تحملت بكل كفاءة أعباء مسئولياتها فى ٥٦ أصبحت حاليا مجرد عنوان للبيروقراطية والترهل.. إذ لم تصل إلى أسماعها بعد الحملات الإعلامية الشرسة التى تستهدف مصر والرئيس السيسى.. ألم يكن فى إمكان الهيئة مثلا -دون تحمل أى أعباء مادية- استحداث مكتب ولا نقول إعلام حرب يقوم بسد الفجوة التى نبه إليها العديد من الكتاب حول مخاطبة الإعلام المصرى لنفسه إذ تقتصر دائرة تداول الحقائق بيننا دون أن تستكمل هذه الحقائق رحلتها المقصودة إلى أمريكا ودول الغرب.
أبسط المهام التى قد يتبناها هذا المكتب ترجمة أهم المقالات والبرامج التى تكشف حقيقة ما يجرى فى مصر ثم ترسلها بشكل رسمى إلى وسائل الإعلام ومراكز البحوث والدراسات عملا بحق الرد.. حتى لو تعمدت هذه القنوات عدم النشر فإن الإلحاح سيرغمهم على الاستجابة وهو النهج الذى يتبعه أفراد «عصابة» التنظيم الدولى الذين لا يتوقفون عن طرق كل الأبواب بلا كلل ولا ملل فى سبيل إيجاد من يسمع أكاذيبهم.. كما لا يُقبَل أن تصدر من الهيئة صيغ ردود «روتينية» حول كون هذه المهام خارج اختصاصها. آفة البيروقراطية التى أصابت هيئة الاستعلامات للأسف أفقدت مصر جهاز دعم حيوى فى توقيت لا يحتمل الاسترخاء والترهل.
التحركات السريعة التى تبادر بها وزارة الخارجية والدور النشيط الذى يقوم به المتحدث الرسمى السفير أحمد أبوزيد فى تواصل الوزارة من مصر مع الدوائر العالمية المختلفة عجزا عن الارتقاء إلى مستوى المكاتب الإعلامية فى الخارج. أوجه القصور فى عمل هذه المكاتب تستدعى فى هذا التوقيت وقفة حاسمة من وزير الخارجية سامح شكرى لفتح هذا الملف -وهو يتمتع بالحزم فى الأخذ بالمبادرة- خصوصا أن التطوير فى عمل هذه المكاتب لا يتطلب أعباء مادية بقدر ما يستدعى تغييرا فى أسلوب العمل واختيار كفاءات تجيد التعامل مع الإعلام الغربى ومراكزه المختلفة.. تملك مهارة التحرك ومخاطبة المحافل المختلفة كى ينتقل الموقف المصرى من الدفاع إلى امتلاك زمام المبادرة فى فرض الحقائق بعيدا عن قيود الروتين الوظيفى.