المشكلة أنني متهم دائما في نظر بعضهم!.. ربما يتهمني البعض بالنفاق.. والبعض الآخر بالميل للإخوان!..
وربما يقف البعض لمراقبة ما أكتبه الآن بحثا عن تهمة جديدة..! لا بأس.. لقد تعودت على الأمر حتي صار عدم إتهامي بشيء لفترة أمرا مثيرا للضجر! الفكرة هذه المرة هي أنني حاولت أن أنحاز لطرف ما.
حاولت أن أكون مواطنا صالحا يصدق داخليته التي لا تكذب عليه أبدا.. والتي يسهر رجالها على أمنه وسلامته.. لقد قررت أن أفترض أن القصة ملفقة.. وأنها شائعة أخرى من تلك الشائعات التي أصبحنا نلتقي بها كل يوم على صفحات التواصل الاجتماعي ..! لم لا؟
.. لقد أفلست مصر مرتان خلال الشهر الماضي فقط ، وقُتِلَ السيسي وبقي شبيهه الذي زرعته المخابرات مكانه.. وردمت قناة السويس الجديدة بفعل الرياح!
لقد أحاطت بنا الشائعات بصورة تجعل تصديق كل ما تصادفه على صفحتك الشخصية أمرا عسيرا! لقد مات طالب بكلية طب عين شمس.
هذا هو الثابت في الأمر كله.. البعض يتهمه أنه إخوان.. والبعض الآخر ينفي.. لا يهم.. المهم أن هناك من أبلغ أهله تليفونيا بضرورة الذهاب إلى مشرحة زينهم لتسلم جثته! الأمر محزن للغاية.. أعرف جيدا كيف يشعر أهله الآن.. أعرف قيمة ما فقدوه حقا!.
نعم.. فطالب الطب الذي وصل للعام الخامس في دراسته ليس فقيدا عاديا.. فهو ليس مجرد طفل أنجبته أمه بعد معاناة الحمل.. ورآه والده يكبر أمامه كل يوم ..ولو أنها خسارة كبيرة أيضا! الأمر يختلف كثيرا.. إنها آلاف الليالي التي سهروها بجانبه ليحصل على مجموع مناسب في الثانوية العامة.. ومثلها في كل عام من أعوامه الأربع التي قضاها في كليته! إنه نتاج جهد عنيف من كل أعضاء أسرته.. إنه حصاد ينتظرونه بفارغ الصبر..
حلم جميل عاشه والده أن يلقبه جيرانه بـ “أبو الدكتور”.. لقد رحل كل هذا في مكالمة تليفونية قصيرة! الطريف أن جريمتي هذه المرة أنني حاولت أن أسأل عن ملابسات الواقعة.. عما حدث فأدى لأن يفقد أحدهم حياته نفسها.. ويفقد أهله أحلامهم كلها.. حاولت أن أعرف الحقيقة.. فاصطدمت بكارثة! الكارثة أنني أمام أكثر من رواية.. الكل مقتنع بروايته الخاصة.. والكل لا يملك دليلا واحدا على ما يؤمن به!.. لقد مات الشاب بعد أن قفز من سيارة الترحيلات.. أو مات بعد قفزه من وحدة المباحث بالقسم.. كما أن الداخلية قد عذبته وقامت بضربه وتهشيم جمجمته.. فمات على الفور! كلها روايات متضاربة.. كلها تحتمل الصواب وتحتمل الكذب.. ولكنها لا تملك دليلا لتصبح حقيقة.. لقد كنت أبحث وأطالب الداخلية ببيان شفاف محترم.. كما كنت أطالب بتحقيق من النيابة ليثبت أو ينفي بيان الداخلية..
ولكن يبدو أن الشرطة تصر على إبهاري كل يوم بالجديد! لقد خرج البيان الرسمي ليتحفنا أن “مشروع الطبيب” قد مات بعد أن قفز من شرفة منزل يُدار للدعارة! .. لقد انتحر الشاب بعد أن خاف من القبض عليه متورطا بممارسة الرذيلة.. هذا يعني أنه قد فقد حياته خوفا من أن ينال لوما من والده مثلا.. أو تخاصمه والدته!! أو حتى يفقد احترام الآخرين ويفقد بضع سنوات من عمره خلف القضبان! هكذا فسرت الداخلية مقتل الشاب..
هكذا يريدون أن يشرحوا لنا كيف مات!.. أعتقد أنه لو حاول البعض توريط الداخلية المصرية في كارثة ما.. فلن يجدوا أحدا أكثر جدارة من ذلك الذي يصيغ لهم بياناتهم.. ويخترع قصصهم الخرافية التي يحاولون تمريرها للناس ببراءة إخوة يوسف من مؤامرتهم! الأمر لا يتعلق بإنكاري تواجد ذلك الشاب تحديدا في أحد بيوت الدعارة.. ولا بتحاملي على جهاز الشرطة المصري.. ولا يتعلق أيضا بسمعة الجهاز التي تتيح له تورطه في مقتل الشاب بالفعل كما يدعي أهله! الأمر يتعلق أن مؤلف الرواية هذه المرة لم يقابل طالبا وصل إلى الفرقة الخامسة بكلية الطب من قبل..! لم يعرف كيف يفكر وكيف يحلم!
باختصار، طالب الطب الذي اجتاز أربع سنوات بالكلية لا يذهب إلى بيوت مشبوهة بحثا عن متعة حرام يا سادة.. طالب الطب الذي اقترب من تحقيق حلمه لا يهتم بهذا النوع من المتع أصلا! ربما تجد البعض منهم قد أصابه الاكتئاب.. أو ربما انتحر بعضهم هربا من مادة “الأطفال”.. ربما وجدت بعضهم قد أطال ذقنه أو أدمن بعض المهدئات.. ولكنه لا يذهب لبيوت الدعارة.. لا يذهب إليها أبدا! لقد أظهرت الرواية تورط الداخلية في مقتل الطالب تماما.. لا أعرف كيف تم الأمر.. ربما ألقى بنفسه من شرفة المباحث فعلا.. أو من سيارة الترحيلات.. ربما ضربه أحدهم على رأسه بالفعل.. ولكنه في كل الأحوال يقع تحت مسئولية الجهاز الشرطي!
لقد مات أحمد مدحت.. مات لسبب لا نعرفه حتى الآن.. وقصة الداخلية التي أعلنتها لا نصدقها تماما.. لأنها غير قابلة للتصديق.. ولأنها تورطها أكثر منه بكثير.. فالطبيب لا يذهب لبيوت الدعارة ببساطة زهدا في متعتها.. وحتى من يذهبون.. فهم أكثر “بجاحة” من أن ينتحروا هربا.
لقد مات الشاب.. فهل يصبح أحد هؤلاء الذين ماتوا دون أن يعرف أحد السبب من قبل؟.. هل يرقد ملفه بجوار ملفات أخرى تحمل أسماء مثل خالد سعيد وسيد بلال؟ أم يتحرك أحدهم لكشف ملابسات الحدث.. ويحاسب من قتل هذه المرة.. حتي يعيد الثقة إلى مواطن صالح.. قرر أن يصدق داخليته.. التي لا تكذب عليه أبدا.
نرشح لك