هذه حرب منظمة، لا يمكن أن أتعامل معها إلا على هذا الأساس.
يتعرض جيشنا إلى حرب شرسة، سلاحها ليس الطائرات والمدافع والأر بى جى، فهذا سلاح هين لا يستطيع أن يصمد فى مواجهة الأبطال على أرض المعركة، لكنها حرب تعتمد على السخرية، التى لا يجب أن نستسلم كثيرًا إلى أنها سلاح الضعفاء والمقهورين، فهى هنا وفى هذه المعركة سلاح المتآمرين.
تعرض الجيش المصرى لكتائب هجوم ساخرة خلال الأيام الماضية على هامش افتتاح مدارس بدر الدولية التى يملكها ويديرها، وخلال الأزمة المفتعلة حول ألبان الأطفال.. مؤكد أنك تعرضت لهذه السخريات سواء كانت تعليقات على شبكة التواصل الاجتماعى أو الفيديوهات المصنوعة أو الرسوم الكاريكاتيرية، ومؤكد أنك ضحكت على القفشة أو الإفيه، وقد تكون أرسلت هذه السخريات إلى أصدقائك، ليشاركوك الضحك والسخرية.
فعلت ذلك وأنا على ثقة أنك تؤيد جيش بلدك، وتعرف جيدًا أنه حصنك الأخير فى معركة وجودية، يستهدف فيها خصومك رقبتك وليس أقل من ذلك، لم تفكر فى تأثير نشر هذه السخريات على معنويات المؤسسة الوحيدة التى لا تزال تعمل بجدية، ولولا عملها هذا لانكسر ظهر البلد بالمعنى الحرفى، فلا مبالغة فى ذلك ولا تهويل.
أنت فى حاجة إلى أن تسأل نفسك عن هذه الازدواجية.
فأنت تحب الجيش ولا تمانع فى السخرية منه، بل تضحك على ذلك، وتتبادل النكات مع أصدقائك وأنت مسترخى تماما!!
ستدافع عن نفسك وتقول إن الشعب المصرى ابن نكتة، يموت فى السخرية، فلو لم يجد ما يسخر منه سخر من نفسه، وهذا فى حقيقته هزل كامل، ففى الأوقات التى تواجه فيها مصر مصيرها – وهو ما نحن فيه الآن – تصبح السخرية من الجيش وما يفعله خيانة كاملة، مؤامرة مكتملة الأركان.
بعد هزيمة 1967 وقف جمال عبدالناصر ليطلب من الشعب المصرى التوقف عن إطلاق النكات على الجيش، كانت موجة من السخرية قد انطلقت بعد الهزيمة، أتت على الأخضر واليابس، قدر عبدالناصر أننا شعب ساخر، لكنه حذر من خطر السخرية من الجيش، كان يرى أن شرف الوطنية يقتضى أن يساند المصريون جيشهم لا أن يسخروا منه.
طلب القائد من الشعب الكف عن السخرية رغم أن الجيش كان مهزومًا.
الآن جيشنا ليس مهزومًا.
ساند ثورتين، الأولى تخلصنا فيها من حكم استبدادى عانينا من فساد كل رموزه، والثانية تخلصنا بها من حكم فاشى، لم نرض به من اليوم الأول بعد أن ورطنا فيه من يدعون فهما وحكمة ومعرفة سياسية، رغم أنهم ليسوا إلا رموزًا للجهل التام والانحطاط الكامل، هؤلاء الذين «عصروا على أنفسهم ليمون»، ولم ينتبهوا إلى أنهم يساندون جماعة فاشية، أجهدت الوطن وكانت على وشك إجهاضه.
بعد 30 يونيو دخل الجيش المصرى معركة أطلق عليها عبدالفتاح السيسى اسم «البقاء والبناء»، وقد نجح فيها حتى الآن نجاحًا كاملًا، ومن لا يعترف بذلك فليس عليه إلا أن يعالج عينيه، أو يخضع لعلاج نفسى أيهما أقرب.
لا يحتاج الجيش المصرى شكرًا من أحد، فهو يقوم بما يعرف أنه واجبه تماما، فلو لم يتقدم لحماية البلد من السقوط، فمن يفعلها؟
لكنه أيضا لا يستحق هذه السخرية من كل ما يفعله.
****
السؤال الآن: من هم الذين يسخرون من الجيش؟
هناك فئات بعينها تفعل ذلك وتتجرأ عليه لأن هذا يتسق تماما مع أهدافها المعلنة التى لا تخفيها، صحيح أن هذه الفئات تضع قناعًا على وجهها، وتقول إنها تريد أن يعود الجيش إلى مهمته الأساسية، لكنه ادعاء زائف، فما تريده على وجه التحديد هو كسر الجيش وتهشيم إرادته، حتى يكون ابتلاع البلد كلها بعد ذلك سهلا، فهى لا تستطيع أن تقترب من حمى هذا الوطن، والجيش يقف حارسًا له.
الفئة الأولى تخرج من قلب جماعة الإخوان الإرهابية، فهم لا يتركون شاردة ولا واردة إلا وسخروا منها، يقلبون الحقائق وينشرون الشائعات، ويستخدمون شبكات التواصل الاجتماعى لشن حربهم على الجيش، يسخرون كل وسائل إعلامهم للنيل منه، والتشهير به، وما يفعلونه مفهوما تمامًا، فالجيش هو عدوهم الأول الذى ساند ثورة الشعب التى اقتلعتهم من جذروهم.
الفئة الثانية ينتظم فى صفوفها عدد من المطاريد الذين رأوا أن العداء لمصر وجيشها سيضمن لهم مكسبًا مضمونًا، لم يتعود هؤلاء على أن يعطوا شيئًا لبلدهم، ولما عرفوا أن مصر بعد 30 يونيو فى حاجة لمن يعطى لا لمن يأخذ، اختاروا أن يرحلوا عنها، وإذا أردت مثالا واضحا لهذه الفئة فهو باسم يوسف، الذى لا تنقصه البذاءة والانحطاط وهو يتحدث عن الجيش المصرى.
الفئة الثالثة مجموعة من الشباب الذين اعتقدوا أنهم الأحق بمكاسب الثورة سواء يناير أو يونيو، لكنهم وجدوا أنفسهم على الهامش بفضل رعونتهم وجهلهم وغرورهم وتعجلهم، فانصرفوا عن صفوف الجماهير التى تعمل، واختاروا أن يبقوا إلى جوار من ينال من الدولة ومن الرئيس ومن الجيش، معتقدين أنهم بذلك يحررون البلد من خصم وعدو، رغم أنهم بما يفعلون يدخلون فى مساحة الخصم والعدو للبلد كلها.
هذه الفئات فى النهاية لا تمثل شيئًا له قيمة، أعدادهم فى النهاية قليلة، لا يشكلون خطرًا بذواتهم المريضة، ولكنهم يجدون ملايين يرددون ما يقولونه وينشرونه، يستغلون جهلك وعدم معرفتك بما يدور، ويدلسون عليك، وأنت بحسن نية – لا أستطيع أن أتهمك أبدا بسوء النية – تتجاوب معهم وتحقق لهم كل ما يريدون، تردد كلامهم بجهل وسطحية، دون أن تحاول مجرد محاولة أن تبحث خلف ما يقولونه، تسير وراءهم كالأعمى، رغم أنك تتجه وببساطة إلى التهلكة التى يريدون أن يوردوك مواردها.
****
لا أدعى أن الأمور جميعها على ما يرام، فنحن جميعا نعانى، من يحكم من قصر الاتحادية، ومن يجلسون فى بيوتهم ومكاتبهم وعلى المقاهى وفى الشوارع.
الأول يسعى لتدبير أمره حتى يكون على قدر المسئولية والتحدى، أما نحن فلا نكف عن الشكوى، وكأن هذا هو دورنا فقط الذى نجيده، ولا نستطيع أن نقوم بشىء غيره.
لا يحتاج الجيش المصرى إلى السخرية، ولا يستحقها، فكل ما يقوم به ينطلق إليه من أرضية وطنية، ولولا تدخله فى الوقت المناسب لانهار كل شىء، إنه يدفع فاتورة تقصيرنا والفساد الذى حكمنا لسنوات طويلة، وهى مهمة ليست سهلة، ومن لديه بديل يقدمه الآن وليس غدًا، فمستقبل الأمم لا يتحمل تنظيرًا فارغًا، وسخريات فجة تخرج من أفواه نتنة غير مسئولة.
****
يقوم الجيش بمهمة مقدسة ليس فى سيناء وحدها، ولكن فى كل مصر كلها، يحارب إرهابًا خسيسًا، لا يريد من يقومون به لك أو لى أن نهنأ باستقرار، يخططون لمصادرة المستقبل لهم وحدهم، بعد طرد كل من يعارضهم أو يرفض منهجهم وتوجههم.
يصعد من أبناء جيشنا كل يوم شهداء مخلصون، لا يلتفتون إلى التفاهات التى نتحدث عنها وبها، يقدمون أرواحهم بأريحية شديدة لوجه وطنهم، وإذا أردت أن تعرف خسة ودناءة من يسخرون من الجيش، اقرأ فقط ما يقولونه على شهدائنا، وما يكتبونه عن الحرب المقدسة على الإرهاب.
إنهم لا يختلفون فى خطابهم عن هؤلاء الذين يمسكون بالسلاح ويشهرونه فى وجهنا، يكفرون الجيش فى محاولة للنيل من روحه المعنوية، ولو أردت الإنصاف فهؤلاء ليسوا إلا إرهابيين، لا يختلفون فى شىء عمن يفجرون أنفسهم أو يهاجمون الكمائن، أو يشتبكون على الأرض مع جنودنا بالسلاح.
تعرضت مصر لهزة اقتصادية عنيفة بفعل الثورات التى لا أشك أبدًا فى مقاصدها دون أن أغفل من خططوا لركوبها، وكان لا بد أن تمتد يد الجيش لتسند الحائط الذى أوشك على الانهيار، دعك من بعض التصريحات الرسمية، إلا أن الجيش لم يمن على المصريين أنه قدم لهم يد العون، لأنه يعرف أن هذه أموال الشعب، وهم أبناؤه، ولولا الدعم الذى قدمه، لوجدنا أنفسنا فى مهزلة اقتصادية رهيبة.
ليس ذنب الجيش أنه مؤسسة منضبطة، يعرف فيها كل فرد دوره، والمطلوب منه، وينفذه بدقة، ليس ذنبه أنه يمتلك خصائص تؤهله لأن يتصدى لبناء أمة منهارة، فهو قادر على الإنجاز بسرعة مذهلة وبكفاءة نادرة، فهل نلومه على ذلك؟
فى كل مرة كنا نجد أنفسنا فيها فى أزمة كان الجيش يتدخل، تذكرون ما حدث فى الإسكندرية، الفساد المستشرى فى المحليات جعل من المدينة الرائعة قطعة من العجين غير المتماسك، غرقت فى الأمطار، ورغم أن دول العالم كلها تعانى، إلا أننا سخرنا مما حدث، ولما نزل جنودنا لإنقاذ الموقف، قابلناهم بالسخرية، وقلنا إن هذا ليس عملهم، فماذا يفعلون والذين يجب أن يعملوا تكاسلوا وتقاعسوا وفشلوا؟
فى كل المشروعات الكبيرة التى يقوم السيسى على إنجازها تجد الجيش حاضرًا بماله وأمواله، لا تتأخر القيادة العسكرية عن شىء يطلب منها، رغم أن هذا يضيف على كاهلها أعباء كثيرة، لكنها لا تتأخر أبدا.
والسؤال: من الذى يعمل ومن الذى ينتج ومن الذى يستفيد من ذلك كله؟
إنهم المصريون ولا أحد غيرهم، الجيش ليس دولة داخل الدولة، فالجندى الذى يعمل بأجر زهيد ليس سوى أخيك أو ابنك أو صديقك، خير عمله يعود عليك، ولا يحصل عليه وحده، وهنا الميزة التى تميزنا عن دول كثيرة، فلا يوجد فارق بين الجيش والشعب، فنحن نعمل ونحصد ما نفعله، لا فارق بين جيش وشعب.
لكن هناك من يريد أن يحدث شرخا وفصلا حادا بين الجيش والشعب، هناك من يحفر نفقا بينهما، ونحن للأسف الشديد نستسلم لذلك بسذاجة شديدة.
الصورة واضحة جدا.. وليس عليك إلا أن تحدد المكان الذى تقف فيه، مع الدولة المصرية بجيشها وشعبها، أو ضدها عندما تفصل بينهما.
إنهم يريدون أن يلعبوا لعبة هى الخطر بعينه، ولو نجحت هذه اللعبة، فنحن نقف على شفا الجحيم الكامل، يريدونك أن تقف فى مواجهة مع جيشك، يغذون فيك الشعور بأنه مؤسسة منفصلة عنك، لا تعرفها ولا تعرفك، وكلما ازداد النفق كانت احتمالات الصدام متوقعة، وهو صدام لو حدث، لن يستفيد منه إلا من يريدون لهذا الوطن وبه شرًا.
****
هل ينتهى الأمر عندى عند هذا الحد؟
بالطبع لا.. فهناك مهمة ثقيلة على الجيش أن يقوم بها الآن وليس غدا، لأن التأخير ليس فى مصلحة أحد.
سوء الفهم الذى يقع فيه من يدعمون الجيش ويقفون فى صفه، ويجدون أنفسهم فى مواجهة ترسانة من المعلومات المغلوطة، يحتاجون لمن يقدم لهم المعلومات الصحيحة، يحتاجون لمن يشرح ويفسر ويوضح الأمور، حتى لا يجدون أنفسهم أسرى لمن يبثون معلومات مضللة، لا هدف لأصحابها إلا الإساءة للجيش، وزرع الشك فى نفوس من يقفون إلى جواره.
يمتلك الجيش قناعة كاملة أنه ليس كل ما يعرف يقال، فأعماله لا ينبغى أن تكون مشاعا، وهو أمر طبيعى إذا كنا نتحدث عن الأمور العسكرية، أما والأمر الآن امتد من الشئون العسكرية إلى الشئون المدنية، وأصبح هناك تداخلا واضحا بين الجيش والشعب، فلا بد أن يعرف الشعب على الأقل ما يخصه.
يحتاج الجيش إلى جهاز إعلامى قوى ومحترف، وهو يمتلك هذا الجهاز بالمناسبة، لكنه يحتاج إلى بعض التغيير فى بعض القناعات.
من حق الجيش أن يؤسس مدارس، ليس وحده الذى يفعل ذلك بالمناسبة، فالجيش الأمريكى على سبيل المثال أسس مدارس خاصة يملكها ويديرها منذ عام 1964، لم يفعل ذلك داخل الولايات المتحدة فقط، بل يمتلك مدارس فى 11 دولة، يباشر الإشراف عليها، ويجمع مصاريفها، ولم نسمع أن أحدًا اعترض على ذلك، أو قال إن الجيش الأمريكى تدخل فيما لا يعنيه.
لقد سخروا من مدارس بدر التى أسسها الجيش، تعاملوا معها على أنها ظهرت الآن، وأخذوا من ذلك دليلًا على أن الجيش يريد أن يحتكر التعليم، رغم أن تأسيس هذه المدارس جرى فى العام 2013.
هل تريدون دليلا على ذلك؟
ليس عليكم إلا أن تعودوا إلى أرشيف المواقع الإلكترونية والصحف لتقرأوا هذا الخبر القصير الذى نشر فى 18 نوفمبر 2013، هذا نصه: «صرح اللواء أسامة عسكر قائد الجيش الثالث الميدانى أن الفريق أول عبدالفتاح السيسى نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع صدق على إقامة أول مدرسة دولية من مرحلة التعليم بالحضانة وحتى الثانوية العامة، تكون الدراسة فيها باللغة الإنجليزية، وذلك على مساحة 30 فدانا بمدينة السلام كبديل لأحد المسكرات التابعة للجيش التى تم نقلها خارج كردون المدينة لإقامة مشروع يخدم التعليم لأبناء السويس».
إننا لا نقرأ ولا نعرف، ولذلك فالجهل هو السبب الوحيد والأول للهجوم على كل ما يفعله الجيش.
كل ما نحتاجه هو أن نعرف، أن نسمع، أن يقول الجيش كثيرًا عن مشروعاته الاقتصادية، فالمعرفة هى التى ستقطع الطريق على السخرية منه، أو النيل من مجهوده.
لقد حدث هذا فى أزمة ألبان الأطفال، وبدلًا من أن نوجه الشكر للجيش الذى تدخل فى الوقت المناسب حولنا الأمر إلى سخرية، والأمر فى اعتقادى يرجع إلى أن الإخراج دائما يتم بشكل سيئ، فلو وضعت المعلومات الكاملة أمام الرأى العام، لوجد الجيش ملايين يردون عنه، ويتحدثون باسمه، بدلا من ترك الأمر لوزير لا يمتلك الحكمة ولا الحس السياسى لتوريط الجيش فى أمر هو برىء منه تماما.
لقد استباح البعض لنفسه أن يتحدث عن بيزنس الجيش، دون أن يمتلك المعلومات الكاملة، ولا أخفيكم سرا أن كلمة بيزنس التى تلتصق بالجيش هذه كلمة مرذولة يستخدمها من ينالون منه، ظهرت فى نهايات عصر مبارك على لسان باحثين مصريين نقلا عن صحف أجنبية، للنيل منه هو وليس من المؤسسة، لكن هذه الكلمة لا تليق الآن، خاصة أن هناك فارقًا مهمًا جدا يجب أن نلتفت إليه.
فالأموال التى يعمل بها الجيش تظل هنا فى مصر، لا يربح الجيش من أجل فتح حسابات خارجية، كما يفعل المستثمرون الذين يتعاملون مع فلوس البلد على أنها غنيمة لهم، وهو ما يجب أن ننتبه إليه وندركه.
استيقظوا قبل أن يفوت الأوان، وهو أوان لن يفيدنا فيه الندم، فساعتها سنكون فى مواجهة عصابات إرهابية مسلحة بلا جيش يسندنا ويساندنا إذا نجحوا فى إفشاله وتحطيم معنوياته، وعلى الجيش أن يساعد كل من يؤمنون بدوره ويدافعون عنه، بمنحهم المعلومات التى تضعهم فى الصورة، فالحرب الآن حرب معلومات.. وحدها قادرة على أن تقيم أممًا، ووحدها قادرة على هدمها.
واللهم قد بلغت .. اللهم فاشهد.