مارست مهنة الصيدلة منذ 7 سنوات، ومازلت أعمل بالمهنة حتى الآن، تنوعت سنوات عملي السبع، ما بين العمل بالصيدليات الأهلية / الخاصة، وصيدليات المستشفيات الحكومية، ومخازن الأدوية الموزعة على الوحدات الصحية، بجانب تجربة العمل بالمملكة العربية السعودية لمدة عامين.
وعلى ما سبق أعتقد أنني أمتلك شيئا من الخبرة في مجالي، وهذه الخبرة تؤهلني للحديث والكتابة عن أزمات مهنتي وما يتصل بها من مشكلات.
الذي دعاني لكتابة هذا المقال هو المظاهرة التي قام بها عشرات المواطنين، حاملين أطفالا رُضع، أمام معهد ناصر، اعتراضا على توقف صيدلية الشركة المصرية لتجارة الأدوية عن بيع الألبان المدعمة والاكتفاء ببيعها في وحدات الرعاية الأساسية التابعة لوزارة الصحة.
كانت الشركة المصرية لتجارة الأدوية، قد أعلنت أنه لن يتم صرف أي أنواع من الألبان المدعمة سواء دعما كليا أو جزئيا من منافذ الشركة المصرية لتجارة الأدوية.
منذ عدة شهور صرح الدكتور محي الدين عبيد – نقيب الصيادلة – بأن مصر تستورد 50 مليون عبوة لبن بودرة سنويا. تقوم الدولة المصرية بدعم 30 مليون عبوة من هذه العبوات المستوردة، وتوزيعها عن طريق الشركة المصرية لتجارة الأدوية، والتي بدورها تقوم بتوزيع النسبة الأكبر منها على وحدات الرعاية الصحية ومراكز رعاية الأمومة بالمحافظات، وعلى الصيدليات الأهلية.
أي أن 60% من ألبان الأطفال التي تدخل السوق المصرية هي مُدعمة من الدولة المصرية!
حجم هذا الدعم – بحسب دكتور محي الدين عبيد – وصل إلى 450 مليون جنيه كل سنة!
تنقسم ألبان الأطفال إلى ثلاث مراحل، المرحلة الأولى من يوم حتى 6 شهور، المرحلة الثانية من 7 أشهر حتى سنة، والمرحلة الثالثة للأطفال الذين يتجاوز عمرهم السنة. الدولة المصرية تقوم بدعم ألبان الأطفال في المرحلة الأولى والثانية. متوسط استهلاك الطفل من 6 لـ 8 عبوات لبن شهريا.
كان موقع “مصر العربية” قد نشر تقريرا بتاريخ 11 فبراير 2016 عن ألبان الأطفال، تواصل فيه معدو التقرير مع الدكتور علي عبدالله، صيدلي، مدير المركز المصري للدراسات الدوائية والإحصاء، والذي تحدث على أن الدولة المصرية تدعم أكثر من 7 مليون عبوة لبن أطفال للمرحلة الأولى سنويا، بتكلفة تخطت 170 مليون جنيه. تُباع العبوة بـ 3 جنيهات فقط لا غير. أكثر من 7 مليون عبوة ذات اللون الأخضر سنويا للمرحلة الثانية، دعمتها الدولة بتكلفة تخطت 70 مليون جنيه. أكثر من 9 مليون عبوة ذات اللون الأزرق سنويا، بتكلفة تخطت 90 مليون جنيه. تُباع العبوة بـ 17 جنيه، و18 جنيه فقط لا غير! هذه الأرقام تزاداد بشكل سنوي!
هذه العبوات حجمها 400 جم. الشركات التي تعاقدت معها الشركة المصرية لتجارة الأدوية لتوريد ألبان الأطفال هذه هي:
– شركة Fasska، وتوزع لبن Biomil، وهي شركة بلجيكية.
– شركة Nactalia، وتوزع لبن Nactalia، وهي شركة فرنسية.
– شركة Liptomil، وتوزع لبن Liptomil، وهي شركة سويسرية.
تصرف الصيدليات الخاصة / الأهلية 12 من الشركة المصرية لتجارة الأدوية 12 عبوة لبن مرحلة أولى، و6 عبوات مرحلة ثانية، شهريا.
بينما يظل عبء توزيع هذه الألبان المعدمة الأكبر على عاتق وحدات الرعاية الصحية ومراكز رعاية الأمومة بالمحافظات، والبالغ عددها 611 منفذا على مستوى الجمهورية. ويأتي توزيعهم في 27 محافظة مصرية كالتالي:
– القاهرة بها 107 منفذا.
– الإسكندرية بها 23 منفذا.
– بورسعيد بها 14 منفذا.
– السويس بها 13 منفذا.
– الإسماعيلية بها 13 منفذا.
– دمياط بها 7 منافذ.
– الدقهلية بها 14 منفذا.
– الشرقية بها 45 منفذا.
– القليوبية بها 18 منفذا.
– الغربية بها 14 منفذا.
– كفر الشيخ بها 21 منفذا.
– البحيرة بها 34 منفذا.
– المنوفية بها 15 منفذا.
– الجيزة بها 51 منفذا.
– بني سويف بها 15 منفذا.
– الفيوم بها 38 منفذا.
– المنيا بها 23 منفذا.
– أسيوط بها 18 منفذا.
– سوهاج بها 12 منفذا.
– قنا بها 20 منفذا.
– مرسى مطروح بها 9 منافذ.
– الوادي الجديد بها 5 منافذ.
– شمال سيماء بها 20 منفذا.
– جنوب سيناء بها 8 منافذ.
– الأقصر بها 9 منافذ.
لا يُصرف اللبن المدعم من هذه المنافذ إلا في أي حالة من هذه الحالات:
1- عدم قدرة الأم على إرضاع الطفل، ويتم قياس ذلك عن طريق طبيب متخصص بكل منفذ من هذه المنافذ.
2- حالة التوأم.
3- وفاة الأم.
4- تناول الأم أدوية تُفرز في لبن الأم.
وتسير عمليات الصرف في هذه المراكز والوحدات بشكل شبه يومي، كما صدر قرار من وزير الصحة منذ أيام بأن تكون هناك فترة عمل مسائية بعد الساعة الثانية ظهرا في كل وحدات الرعاية الصحية ومراكز رعاية الأمومة بالمحافظات.
كما وضحنا فإن عمل وزارة الصحة يُنظم بشدة عمليات صرف اللبن المدعم حتى يصل إلى مُستحقيه، وهم الحالات الأربعة السابق ذكرهم.
المشكلة تأتي من الصيدليات الخاصة / الأهلية، التي كانت تحصل على حصة من هذه الألبان المدعمة، ومنذ بداية عملي في مهنة الصيدلة منذ سبع سنوات فوجئت بأن مصانع الحلوى تجمع هذه العبوات من الصيدليات الأهلية لتقوم بصنع الحلوى بها! كما أن الصيدلي في الصيدليات الأهلية يُعطي هذه الألبان المدعمة لزبائن الصيدلية، والذين في الغالب لا يكونوا مستحقين لهذه العبوات المدعمة!
كما كانت منافذ الشركة المصرية لتجارة الأدوية تصرف اللبن للجمهور، بدون القواعد المنظمة التي وضعتها وزارة الصحة!
وبسبب هذه المشكلات التي تواجه وصول اللبن المدعم إلى مستحقيه، أصدر مُؤخرا الدكتور أحمد عماد، وزير الصحة، قرارا يحصر توزيع اللبن المدعم عبر المنافذ الـ 611، حتى يضمن تطبيق القواعد الأربعة السابق ذكرها، ويصل اللبن المدعم إلى مستحقيه.
وبناء على ما سبق علينا أن نتساءل، سؤال برئ، هل العشرات الذين تظاهروا حاملين أطفالا صغارا بالأمس أمام معهد ناصر، احتجاجا على قرار السيد وزير الصحة، الذي منع بيع اللبن المدعم خارج منافذ وزارة الصحة، ومنع بيع اللبن في صيدلية الشركة المصرية لتجارة الأدوية، هل هؤلاء يستحقون اللبن المدعم؟!
إذا كانوا يستحقون اللبن المدعم حفا فعليهم التوجه لأقرب منفذ من وحدات الرعاية الصحية ومراكز رعاية الأمومة بالمحافظات!
أما عن سعر عبوات لبن الأطفال الغير مدعمة، والتي تباع في الصيدليات، فإن متوسط الأسعار تقريبا حوالي 55 جنيها، تختلف من شركة لأخرى، قد تزيد قليلا، قد تنقص قليلا.
وهي أسعار من وجهة نظري رخيصة، بالمقارنة بالدول الأخرى، فمثلا فترة عملي بالمملكة العربية السعودية، كان متوسط عبوة الحليب البودرة، في عام 2013، 35 ريال سعودي. أي ما يعادل اليوم حوالي 100 جنيه مصري!
بينما في الولايات المتحدة الأمريكية، سعر عبوة لبن الأطفال “المُدعمة” حوالي 5 لـ 6 دولار، أي بمتوسط 70 جنيها للعبوة.
مع مراعاة أن مصر تستورد 100% من ألبان الأطفال، في حين أن السعودية تُنتج عن طريق شركة المراعي 70% من استهلاك السوق السعودي من ألبان الأطفال، ورغم ذلك تصل أسعار ألبان الأطفال بالمملكة العربية السعودية إلى ضعف سعر نظيرتها في مصر، وهو ما يُثير إستياءا داخل المجتمع السعودي، من هذه الأسعار التي يعتبرها السعوديون مبالغا فيها، وفي تصريحات نشرت بجريدة الحياة اللندنية، بتاريخ 7 مارس 2013، صرح عضو لجنة وكلاء الأدوية بـ«غرفة تجارة جدة» ياسر يوسف ناغي قائلا: «في السعودية هناك مواصفات وضعتها الهيئة العامة للغذاء والدواء لحليب الأطفال، رفعت من أسعار الحليب»، مشيراً إلى أن اختلاف الأسعار بين دولة وأخرى راجع إلى قيمة الدعم والمناقصات «ففي مصر هناك مناقصات تضعها الدولة لشراء حليب الأطفال».
وعلي أن أوضح للقارئ العزيز أنه بجانب الشركات الثلاث التي تعاقدت معها الشركة المصرية لتجارة الأدوية لتوريد لبن الأطفال الذي تدعمه الدولة المصري، فإن هناك شركات أخرى معرفة تُنتج لبن الأطفال، أهمها:
– شركة Wyeth، ونتنج S26 للمرحلة الأولى، و Promil Gold للمرحلة الثانية، وهي شركة أمريكية.
– شركة Danone، وتُنتج Bebelac، وهي شركة فرنسية.
– شركة Alfred Bosworth، تسويق مختبر Abbot، تُنتج Similac.
– شركة Novolac، تنتج Novolac، وهي شركة فرنسية.
– شركة Nestlé، تُنتج Nan، وهي شركة سويسرية.
– شركة Hero، تُنتج Hero، وهي شركة سويسرية.
ما رأيته بالأمس عبر مواقع التواصل الاجتماعي من سخرية وتهويل، بسبب تظاهر عشرات الأشخاص، ونشر شائعات مفادها أن مصر تُعاني من أزمة في توفير ألبان الأطفال، غير حقيقي، والأسوأ أنها تصدر للأسف بجهل وبعدم معرفة!
مصر يا سادة، عبر وزارة الصحة، تبذل جهودا عظيمة، في توفير لبن الأطفال، خاصة المُدعم، وتحرص بشدة على وصوله لمستحقيه، عبر قواعد صارمة ودقيقة.
ولعل تصريحات السيد “ياسر ناغي”، عضو لجنة وكلاء الأدوية بغرفة تجارة جدة، تكشف لنا إلى أي مدى تدعم وزارة الصحة المصرية ألبان الأطفال، وكيف تحرص على بقاء أسعارها في متناول المواطن المصري.
والذي لا يعلمه الكثيرون هو أن اللبن الغير مدعم الذي يُباع في الصيدلية الأهلية / الخاصة، يكون متوسط ما يكسبه الصيدلي من بيع كل عبوة يبيعها، لا يتجاوز 4 جنيهات! وأحيانا كثيرة كنّا نبيع عبوة اللبن بنفس سعر الشراء!
في النهاية علينا أن نتساءل؛ إلى أي مدى ستستطيع الدولة المصرية توفير الدعم على عبوات لبن الأطفال مع هذه المعدلات الكارثية من الزيادة السكانية والارتفاع الكارثي في نسبة المواليد سنويا، والتي تقترب من 2.5 مليون سنويا؟!
من هم الفقراء الذين يستحقون الدعم؟!
هل هم الذين ينجبون طفلا أو طفلين، أم الذين يُنجبون أكثر من خمسة أطفال، رغم فقرهم وعوزهم وحاجتهم!
لماذا لا تدعم الدولة أول طفلين فقط في التعليم، وتحرص على توفير تعليم متميز لهما، وتسعى لتوفير رعاية صاحية شاملة لهما! أليس من الأفضل لنا أن نعلم ونربي ونهتم بصحة طفلين اهتماما عاليا، بدلا من أن يتوزع هذا الدعم ويصل لأسر فقيرة، وعلى الرغم من فقرهم يتباهون بكثرة الخلفة والإنجاب!