يتمحور تفكير كل مغترب أعزب حين يأخد إجازة طويلة، أن يزور مصر لإيجاد بنت الحلال المصرية الجميلة، الجدعة التي ستقف بجانبه في غربته لتكون سنده، عشقه، زوجته وأمه في ليالي الغربة الموحشة.
ولكن للأسف ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، وتجري الرياح بما لا تشتهي السفن.
عن تجربة شخصية، فبعد خمس سنين غربة، ومع تمسكي بعدم الزواج من أجنبية، وأمل إيجاد الفتاة المصرية الجدعة التي سوف تقبل السفر معي في يوم من الأيام، قررت السفر والإقامة في مصر لمدة عامين وهذا يعتبر وقتا كافيا جدا لإيجاد ودراسة الفتاة التي ستكون شريكة المستقبل، وبالطبع إتمام كل الطلبات أو تنفيذ العادات المصرية التي تثبت أنني جاد.
وكانت الصاعقة، اكتشفت أن الفتاة المصرية مهما كانت مغرمة بالشخص ومتمسكة بالزواج، إلا أنها تخاف وترفض الهجرة أو الغربة من أي نوع. تفاوتت العرائس و الرأي واحد “مقدرش أسيب بابي و مامي و أصحابي و كاريري… إنت ارجع نهائي و نعيش هنا”. وبما إنني من الطبقة المتوسطة فقد حاولت التمسك بمستواي الفكري و الاجتماعي. وفعلا.. أن أحترم رأي كل فتاة قابلتها على مدار عام كامل في مصر.
قد تكون الفكرة نفسها فاشلة، حيث إن ضيق الوقت لا يسمح بايجاد الشخص المناسب، وقد يكون أيضا من الصعب ترك كل شيء من أجل السفر إلى المجهول. ولكن والأكيد أن البنت المصرية عامة -باستثناء القليلات- ترفض الهجرة وتَقَبل مثل هذه الأوضاع.
ما سبب رفض الهجرة في رأي البنت المصرية؟
بالرغم من صعوبة الحياة للفتاة المصرية في مصر، ووجود الأسباب واضحة التي تتحدث عنها كل يوم؛ من أول التحرش اللفظي والجسدي، نهاية بانتهاك حقوق المرأة في العمل، أو الأمراض الاجتماعية التي تدفع العديد من الفتيات للزواج فقط من أجل الزواج، إلا أن الفتاة المصرية دائما و أبدا لا تترك بلدها!! غريبة!!
هل هي فعلا وطنية؟؟ بالطبع الفتاة المصرية أثبتت للعالم كله وطنيتها في أكثر من موقف، ومن منا لا يفتخر بأمه المصرية الشهمة؟، بل إن بعض النساء المصريات أثبتن رجولة أكثر من بعض الرجال المصريين فاقدي النخوة والرجولة. وكفانا فخرا شهداء الثورة الأبرار من فتيات مصر الجدعان.
ولكن الحقيقة أننا قد نسينا أن نربي فتياتنا كما كانت تربى أمهاتنا.
ففي أوائل السبعينيات، كانت الأمهات والزوجات تنتظرن أزواجهن بالشهور وهم في الحروب وعلى الجبهة، أو كنّ ينتقلن من محافظة لأخرى بلا حول ولا قوة وبكل تفهم، بسبب ظروف البلد. بل والعكس كنّ هن من يشجعن فكرة السفر، وذلك للوقوف بجانب أزواجهن مهما كانت الظروف ومهما كان المكان.
وفي الثمانيات والتسعينيات ظهرت ظاهرة “السفر إلى الخليج العربي”. معظم الزوجات في ذلك الوقت كن إما منتظرات لأزواجهن العاملين في الخليج بالشهور و الأعوام -وكانت الزوجة في ذلك الوقت هي بمثابة الأم و الأب معا- أو كن يسافرن معهم إلى دول الخليج ويندمجون في الحياة هناك. وأحيانا يتقمصن دور السيدات الخليجيات، حتى إنك قد تنسى إن كانت هذه السيدة هي مصرية في الأصل أم هي بالفعل سيدة عربية بسبب تعمقها في عادات وتقاليد ولهجات أو لغات هذه الدول مع الاحتفاظ بالقلب المصري الأصيل. ومازلنا لا نستطيع أن نقلل من وطنيتهن بسبب سفرهن مع أزواجهن من أجل حياة أفضل.
في الحقيقة قد تغيرت الظروف، فأصبحت معظم فتيات الطبقة الوسطى الآن -والأعلى- يبحثن عن الراحة بأقل مجهود. المضحك أن أماهتهن لم تفعلن ذلك، وأن السواد الأعظم من هؤلاء الفتيات تربين في دول الخليج وشاهدن أمهاتهن في الغربة، فلماذا استغراب فكرة السفر الآن؟
وحتى نعطي كل ذي حق حقه، وجب الاعتراف أن البنت المصرية “مجهدة”.
مجهدة من كثرة التعب للبحث عن الراحة مع رجل حقيقي غير العديد من المتشبهين بالرجال الذين لا يمثلون الرجال الحقيقيين في شيء، وينتشرون في مجتمعنا كالطاعون.
مجهدة أيضا من الزن الرهيب والضغط عليها لتعجل الزواج بالطريقة التقليدية بكل عادته الشرقية السخيفة الغير مقنعة، والمكوث بجانب والدتها أيضا.
ومجهدة من المقارنات السخيفة بين الفتيات اللواتي يتمتعن بتفاهة مبالغ فيها وسطحية شديدة. وأخيرا، مجهدة من الكم الرهيب من الثقافة الاستهلاكية في مجتمعنا، وهي ثقافة غير منطقية بالمرة بالنسبة لدولة من العالم الثالث ذات الوضع الاقتصادي المتواضع.
لكن هل في مثل هذه الظروف الاقتصادية التي يمر بها العالم أجمع، هل يصح، عندما يتقدم الشاب المغترب لفتاة مصرية، أن نطلب شبكة مبالغ فيها وشقة في مكان معين، في بلد قد اضطرته الظروف أن يتركها أصلا؟، مع طلب خادمة أجنبية قد تحصل على مرتب أعلى من ما يأخذه أي موظف في القطاع العام؟ وللأسف، هذا طلب جيل من الفتيات على قدرٍ عالٍ من التعليم والثقافة.
نسيت هذه الفتيات وعائلاتها أن المغترب الأعزب ليس مليونيرا وإلا لاستقر في مصر وأنه رجل تغرب من أجل حياة أفضل ولقمة العيش. فهو رجل يستطيع أن يفعل كل شيء بنفسه وليس بالمدلل. قد علمته الغربة الطبخ والغسل والعناية بالمنزل. ولكن يبقى شيئا واحدا يفتقده.
يفتقد زوجة بجانبه، كما كانت والدته بجانب والده في السعودية أو الكويت أو حتى أمريكا وأوروبا. يفتقد من يعيده إلى أصول دينه ومبادئه كما تعلم من أهله، بدلا من أن يتزوج أجنبية تُنشئ ذرية بلا أي انتماء ولا وطنية.
سواء كنت أشجع السفر والهجرة أم لا.. سؤالي إلى كل فتاة مصرية: هل تعلمين معنى الزواج الحقيقي؟، أم أصبحتِ ضحية لمجتمع استهلاكي مادي؟ هل ترددين ما يلقنه لك من حولك؟، أم إن إجهادك بالبحث عن رجل حقيقي أفقدك التفكير؟ هل نسيتي أن وقوفك بجانب زوجك واجب، خاصة إن كان يرعى الله فيكِ وأن كل الأديان تنص على ذلك؟
و الأهم، أتعلمين أنك في بلاد كثيرة، لك مثل زوجك في الحقوق وأنها لا تُعتبر مجتمعات ذكورية معقدة؟، فمثلك مثله في كل شيء، بل أكثر منه أحيانا، وإن عملك قد يتطور في بلد آخر، مثلك مثل زوجك وأحسن أحيانا، وقد تفيدين بلدك وأبناءك حتى وأنتي خارجها، وأن أي رجل حقيقي لن يمنعكِ من روية أهلك، مهما كانت غربتك، مهما كان الثمن.
إذا كانت الإجابة بـ “لا للغربة” من معظم الفتيات، وتريدين المكوث بجانب “باباكي ومامتك وأصحابك”، فأنا أحترمك، ولكن رجاء، لا تشكون من مغترب تزوج أجنبية ولا تندمون على جيل من المصريين أكثر تفككا وتشتتا وأقل وطنية. فليست الوطنية في المكان ولكنها في قلب كل من يحب وطنه أينما كان مكانه.