برغم أن الفن المعاصر يتضمن محتوى فكريا قويا، فإن معظم الأعمال الفنية المعاصرة لا تجد الصدى المناسب في وسائل الاعلام. وربما يعود هذا إلى أن الأعمال الفنية تحمل رسالة سياسية وفلسفية معقدة ليس من السهل فهمها أو ترويجها في وسائل الإعلام. وربما السبب هو أن التفكير في الفن المعاصر لم يعد مقتصرا على المتخصصين. فمواقع التواصل الاجتماعي وبعض المنصات الإلكترونية غير المتخصصة تُمكن الجميع من نشر تعليقاتهم وأفكارهم حول الموضوعات الفنية والاجتماعية والسياسية وحتى العلمية.
من خلال موقع “تقاطعات” الذي تطلقه المؤسسة الثقافية السويسرية بالقاهرة “بروهيلفتسيا”، بنسختيه العربية والإنجليزية، يهدف إلى اختبار إن كانت النقاشات حول الفن المعاصر يمكن أن تجذب جمهورا كبيرا أم لا، ويطرح أيضا أسئلة عن أثر الفن المعاصر على المجتمع وتتناول ظروف إنتاج الأعمال الفنية وتلقيها في السياقين المصري والسويسري. هكذا تم تخصيص الإصدار الأول (2014/ 2015) لقضايا الفن المعاصر في العالم العربي وسويسرا، وناقش قضايا الفن في الأماكن العامة، بينما خصص الإصدار الثاني (2015/ 2016) لمناقشة قضايا المسرح وما يتصل به من موضوعات.
ويأتي الإصدار الثالث، الذي تم إطلاقه أخيرا، ليكون مخصصا للأدب وقضايا الكتابة والنشر في العالم العربي وسويسرا، خصوصا أن الأدب والكتابة الإبداعية عموما يتم تلقيها جيدا في المشهد الثقافي المصري بالنظر لتقليد النشر القديم في مصر. ويقوم بتحرير هذا الإصدار كل من الناقد والكاتب المصري إيهاب الملاح، وإيفا ستينسرد من الجانب السويسري، وقام بعمل وتصميم الرسومات المصاحبة للمواد في الموقع الفنان وليد طاهر.
تضمنت مواد التحديث الأول 5 موضوعات تم تحريرها وترجمتها عن قضايا الأدب والترجمة ومشكلات النشر العام والخاص في كل من مصر وسويسرا، يطالع القارئ المهتم مادة أساسية عن اختراق القوالب الجامدة وتيارات الكتابة الجديدة في مصر، محاولة لاستعراض أبرز وأهم ملامح التيار الكتابي الذي تشكل في مصر في النصف الثاني من القرن العشرين، تيار حاول الخروج عن أشكال الكتابة السائدة والأطر التقليدية والأشكال النمطية.
وحوار أجراه المحرر العام ومنسق النسخة العربية مع الكاتب والروائي السويسري يوناس لوشر بمناسبة الاحتفاء الكبير الذي قوبلت به روايته الأولى “ربيع البربر” التي صدرت ترجمتها في القاهرة العام الماضي وعن القضايا التي أثارتها الرواية وكيق استقبلتها الأوساط الأوروبية والغربية عموما، وعن الترجمة العربية لها.
ومادة أخرى تضمنت عرضا لأهم تفاصيل المائدة المستديرة التي عقدتها بروهيلفتسيا عن قضايا ومشكلات النشر في العالم العربي، إذ تحتل قضايا النشر العام والخاص في مصر والعالم العربي، مساحة كبيرة من النقاشات والحوارات الدائرة في المجال الثقافي العام وفي الدوائر المتصلة بها بشكل مباشر وأو غير مباشر. ويمثل (الكاتب والناشر والمحرر الثقافي)، أضلاع مثلث محوري في مناقشة مثل هذه القضايا التي تنامى الاهتمام بها والتعاطي معها خلال السنوات الأخيرة بصورة كبيرة. كان هذا هو الإطار العام الذي عقدت فيه المؤسسة الثقافية السويسرية بالقاهرة “بروهيلفتسيا” تلك الحلقة النقاشية الموسعة، ودعت لها نخبة من المشتغلين بالعمل الثقافي العام والمتصلين بحركة نشر الكتاب وقضاياه.
وضمن مواد التحديث الأول من الإصدار، يكتب الناقد محمود عبد الشكور عن رواية الكاتبة السويسرية أجوتا كريستوف “الدفتر الكبير” والتي ترجمها إلى العربية المغربي محمد آيت حنا، وصدرت عن منشورات الجمل. وفي ما يخص الترجمة، ينشر حوار بعنوان “ترجمة أم نقل؟” مع عميد المترجمين الألمان هارتموت فيندريش، المترجم الشهير الذي اضطلع بترجمة العديد من الأعمال الأدبية عن اللغة العربية إلى اللغة الألمانية، نقل الحوار إلى اللغة العربية نيفين فائق. وأخيرا عرض موجز لأهم الإصدارات الأدبية في سويسرا وتعريف بها لإطلاع القارئ العربي على أحدث ما صدر من أعمال أدبية هناك.
“تقاطعات” عبارة عن منصة لا تقتصر على المقالات، فهي تنشر فيديوهات وملفات صوتية وصور ومواد بصرية. وهذا غير ممكن إلا عن طريق الاختيار الواسع للأدوات والوسائل التي يمكن للمنصة الالكترونية عرضها مثل “يوتيوب” على سبيل المثال. هذه الأدوات المختلفة للتعبير تجعل “تقاطعات” حيويا ومتنوعا وجذابا للجمهور. وتعمل بروهلفتسيا، المؤسسة الثقافية السويسرية، على نشر الأعمال الثقافية التي تحظى بالاهتمام، على المستويين الوطني والدولي، أنشأتها الحكومة السويسرية في عام 1939 تحت ظل القانون العام، ويعتبر المكتب الإقليمي لبروهلفتسيا بالقاهرة، الذي أنشيء عام 1988، أول مكتب للمؤسسة الثقافية السويسرية يتم إنشاؤه خارج أوروبا.