كنت مع صديقاتى نجلس عند إحداهن، ولما كانت ابنتها لا تريد أن تنام باكراٌ كل يوم بحثنا عن حل حتى نجعلها تنام، وكان تطبيق لعبة “شرطة الأطفال” هو الحل حينئذ، تضغط على اللعبة لينطلق صوت الشرطى مستفسرا عما يحدث ثم يسكت ليعطى لك فرصة التحدث ثم يهدد مُعلناً أنه سوف يأت لأخذ الطفل اذا ما فعل فعلته مرة أخرى فيفعل الطفل ما تريده، كانت النتيجة رائعة فى البداية، لكننا لم ننتبه أن من الغباء استخدام نفس الأسلوب عدة مرات، بعدها بدأت البنت تضحك عندما تسمع صوت الشرطى هذا ثم ترد عليه ثم تُمثل أنها تنام ثم تستطنع أسئلة مختلفة غير مُبرمج لردها فيرد بنفس الرد فتضحك، الى أن بدأت فى تحديه “طيب تعال كده؟”، حاولنا التحايل عليها بطرق شبيهة ففشلنا، لكن أمها اكتشفت أن أسرع طريقة لجعل ابنتها تفعل ما تريد هى المُصارحة، فأخذت فى التحدث اليها بشكل مُباشر وواقعى وكأنها ليست طفلة، فكانت النتيجة رائعة اذ حاولت البنت تفهم كثير من الأمور وكانت سند لأمها فى بعضها الآخر لاحساسها أنها جزء مهم مما يحدث للأسرة كلها.
تذكرت هذا الموقف وأنا أشاهد برنامج على أحد القنوات الفضائية وهُئ لى أننا نحن جميعا الطفلة الصغيرة، كان البرنامج يناقش “تذكرة المترو بجنيه واحد فقط والتوكتوك بخمسة جنيه” ثم ينطلق صوت مبتذل قادم من أوائل السبعينات يحاول تقليد العظيمة “زوزو نبيل” فى ألف ليلة وليلة ” وهى تتناول قصة حياة تذكرة مترو الأنفاق المسكينة التى تمشى مش عارفة كام ميل بجنيه واحد فقط فى حين أن التوكتوك الوحش العشوائى أجرته خمسة جنيهات فى أجواء لا تتوافق مع ما نحن فيه وعليه من وعى مجتمعى وتكنولوجيا يستخدمها حتى سائق التوكتوك هذا.
كان أشبه بكوميديا سوداء، ان لا تجرى الأمور هكذا الا مع أطفال سُذج انتهوا من هذا العالم، أما الناضجين أمثالنا من الأجيال المختلفة فقد عاشت واتفقت واختلفت على كل شئ، لكننا جميعا الآن نتفق أننا جميعا أيضا قد نضج وعينا السياسى بنسبة كبيرة، فاعملوا جيدا أن اللعب على المكشوف أسهل وأنقى وأسرع الى المخ لاستيعابه.
اذا أردت أن تقول لى مثلا مثلا أن الجنيه المصرى لم يعد له قيمة وتشرح لى كل التبعيات الاقتصادية فأنا أوافقك الرأى تماماً، وسوف أقص عليك أننى من الجيل الذى كان يفرح بفكة الجنيه مصروف وكنت أرى الجنيهات هذه فى الأعياد فقط، لكن الوضع اختلف وتأزم، سوف تعود وتقول ما رأيك فى قصة التوكتوك؟ سوف أقول لك التوكتوك لا يخدم الملايين ولا يخدم كل فئات المجتمع، التوكتوك يخدم أماكن محدودة ويُسعر الخمس جنيهات فى أماكن بعينها لأسباب عدة منها الاستغلال العلنى وأنه لا يستطيع أن يتواجد فى الشوارع الرئيسية فى أماكن ورغم أنه انتشر انتشارا كبيرا الا أنه غالبا ما يتواجد بكثرة فى الأماكن العشوائية، ووجوده فى غيرها غير مأمون، وفى كل الأحوال اذا وجد المواطن المترو بديلا فسوف يركبه بطبيعة الحال .
معذرة فالمقارنة من الأصل فاشلة، لا تقارن مترو الأنفاق بالتوكتوك، قارن مترو الأنفاق بمصر بمترو الأنفاق فى أوروبا أو آسيا أو حتى المغرب العربى، أرنى الفرق وقدم عرضا اذا أردت تعلية سعر التذكرة فأنا أريد أن أركب مترو أنفاق فى بلدى كالذى أركبه فى هذه البلاد، ثم لابد من دراسة شافية وخطط بديلة وخدمات توفرها وأفكار مبتكرة تجعللك تكسب أكثر كدولة وتريحنى أكثر كمواطن، وأنا واثقة من تواجد مصريين أكفاء تعيش بيننا قادرين على فعل ذلك، سوف تحصل على هذا فقط اذا ما كان الشخص المناسب فى المكان المناسب، وقتها فقط سوف أدفع ما تطلب وأشترك فيه سنويا وأنا راضية وفخورة، بدلا من أن تستضيف مواطنون أمام المترو وتسألهم فى سذاجة “بتركب من فين لفين؟ كل ده بجنيه واحد بس؟” ويرد المواطن “آه والله بجنيه” وكأنه سوف يترجاك أن تغلى سعر التذكرة لأنه لا يعرف أين ينفق نقوده! وكأن من يرى التقرير الساذج لا يعرف سعر التذكرة ولا يعيش فى هذه البلد..
وأخيرا وليس آخرا: هل تفعل مثل ما فعلت صديقتى مع ابنتها وتشركنى فى الأمر بمنتهى الصراحة؟