“على صوتك بالغنا .. لسه الأغاني ممكنة .. ولو فى يوم راح تنكسر .. لازم تقوم كالنخل باصص للسما .. ولا انهزام ولا انكسار ولا خوف ولا حلم نابت فى الخلا”، بمجرد معرفتي بخبر استبعاد المذيعة زهرة رامي من برنامج “أبدأ يومك” على راديو هيتس تخيلتها أمامي تغنى تلك الكلمات ووجها مبتسم كالعادة على الرغم من الحزن الذى ضرب قلبها من ذلك القرار المفاجىء.
القرارات الديكتاتورية وحش ينهش قلوب المبدعين وتتاجر بأحلام الشباب وتنهك أرواحهم فى بداية الطريق حتى يكفرون بأنفسهم وموهبتهم، وتتحول الأحلام إلى نار تلتهم كل ما يقابلها وتهرب العصافير بحثًا عن النور فى مكان آخر، ويتحول اللون الوردى إلى أسود حالك يعشقه الغربان، وتصلب أرواح الحالمين على مدخل المدينة بتهمة الشغف وتعوى المصلحة فى وجه الأسود المكبلة ببراثين النفوذ..لا يعلمون أن الأسود لا تستلم ولا يؤمنون بأن الحلم لا يُصلب وإنما دومًا يبعث من جديد.
أول مرة رأيت فيها زهرة كانت فى إحدى حفلات فرقة “أيامنا الحلوة”، وهى تغني ” أنا بهية البراوية أي نعم ما بقولش لأ خليك مكاني يا محترم .. مش أحسن برضو نقتصر بدل ما نضرب بالقلم؟”، مبهجة مفعمة بالحياة مليئة بالشغف، زهرة تفوح بالسعادة فى أى مكان تتواجد به، يتابعها الأطفال والشباب، واعتادوا على سماع صوتها على مدار أكثر من أربع سنوات صباح كل يوم ليبدأون صباحهم بصوتها الذى يلون الحياة البائسة التى أرغمنا على التعايش مع همومها وصخبها..
نرشح لك-زهرة رامي تغادر راديو هيتس
قرار مفاجىء وتعسفي يحدد مصير مبدع وينتزعه من مكان أصبح جزء منه شيدته منذ 6 سنوات شهدت ولادة أول برامجه، وينقله إلى مكان آخر قد لا يرغب بالتواجد به، صدمة كبيرة لا يشعر بها سوى المبدعون الذين لا ينظرون إلى عملهم على أنه روتين أو ساعات فقط وإنما حياة، زهرة ليست مذيعة تقدم برنامج ولكن أيقونة فنية، تتمتع بكاريزما خاصة وخفة دم وضحكة ترد الروح، تغنى مع فرقة أيامنا الحلوة، كما كان لها نصيب فى مجال التمثيل فى “تامر وشوقية” ولكن الإذاعة فى دمها وتعشقها فاختارت الراديو لتنثر علينا فى كل صباح فقاعات الفرح.
شعرت بصدمة زهرة وإلى أى مدى الإحساس موجع أن يفرض عليك أمرًا وتحرم من حلم شيدته على مدار سنوات، وتذكرت عندما كنت فى العاشرة من عمري والتحقت بفريق الكرة الطائرة بالمدرسة، وأصرت معلمة التربية الرياضية أن التحق بفريق السلة وطولى كان لا يتعدى وقتها المتر و30 سم، كما أننى لا أحبها وأشعر بالغربة وسط فريق السلة، وعندما تمردت على القرار حرمت من حصة الألعاب حزنت بشدة وكنت أجلس على منصة العلم وقتها أبكى عندما أشاهد زميلاتى يمارسون ألعاب فرضت عليهم ولم يختاروها.
عندما عدت من المدرسة ورويت ما حدث لجدتي، فقالت لى هل تحبين أن تصبحين مقهورة أم تشاهدين دائرة القهر من الخارج وتعملين على كسرها لم أفهم كلام جدتى وقتها بشكل تام فبسطت لى المعنى “هتبقي فرحانة وأنتى بتلعبي السلة ولا وأنتى راضية عن نفسك أنك معملتيش حاجة مش عايزاها” فأجَبتُها “لا وأنا راضية عن نفسى أنى ملعبتش حاجة مبحبهاش”، وعندما تجاوزت الـ 25 من عمري أدركت معنى كلام جدتي أن الحرية ليست فى المنصب ولكن فى الرضا عن ما نقوم به حتى وإن كان بيع جرائد على الرصيف، يجب أن لا نفعل ما لا نؤمن به ونتمرد على ما يفرض علينا فالمبدعون فى الأرض لا ترغم أجنحتهم على التحليق فى الوحل بل يختارون النور.
أصبحنا دولة تقتل أبنائها وتحرق مواهبهم و”ركنها على الرف حتى تذبل وتموت”، كتبتها من قبل وسأظل أقولها حتى آخر عمري “إيها الحالمون .. إيها المبدعون .. أملأوا الأرض بتراتيل الحلم .. حطموا الأصنام .. واكفروا بكل أكاذيبهم .. خوضوا المعركة ببسالة وشرف وترقبوا النصر .. فلا يوجد سوى رب واحد نخشاه .. وما كان ربك نسيا .. وانظروا فى عيون المستبدين لا تخافوهم فهم أجبن وأضعف من الفأر الهارب فى الظلام، واصرخوا فى وجهوهم بأعلى صوتكم ” أحلامنا أطهر وأشرف وأقوى من أن تباع فى أسواق النخاسة” .. واعلموا جيدا “المبدعون فى الأرض لا تنكسر أجنحتهم والحالمون لا يمكن ترويضهم.