نقلا عن مجلة 7 أيام
لم أندهش من تدوينة للزميل الصحفي محمد فتحي عبد العال رصد فيها كيف تدهور مستوى المتقدمين للتدريب الراغبين في أن يصبحوا صحفيين يكتبون للناس أخبارا ويجرون مع المسئولين حوارات ويحققون في قضايا تهم الرأي العام.
الزميل المصدوم سجل أن متدربتين تخرجتا من الجامعة البريطانية لا تعرفان أين تقع محافظة الدقهلية وأن المنصورة هي عاصمة تلك المحافظة ولا يدركان الفرق جليا بين الدلتا والصعيد، وهما أقرب لشخصية الممثل “شيكو” في فيلم “ورقة شفرة” الذي كان يظن حتى منتصف الفيلم تقريبا أن “الأقصر وأسوان” مدينة واحدة.
نرشح لك : محمد عبد الرحمن يكتب: اليوتيوب قادم
لم أندهش لأن هذه النماذج لم تنقطع عن دق باب التدريب في موقع إعلام دوت أورج الذي أشرف برئاسة تحريره على مدى عامين تقريبا وبحكايات قتلت الدهشة المهنية بداخلي عكس سنوات سابقة كنا نسخر من الصحفي الذي لا يعرف من يكون رئيس الوزراء، أو يرتبك إذا سألته نجيب محفوظ حصل على نوبل في أي مجال، ولا يتقن كيفية كتابة خبر مكون من مقدمة وفقرتين لا ثالث لهما ومع ذلك يصر على الاستمرار ويدعي أنه مظلوم في هذه المهنة.
لا أتكلم هنا عن خريجي الجامعات الأجنبية، الأمر لا علاقة له بنوعية الدراسة وإنما بجيل كامل يعاني من نقص حاد جدا في المعلومات العامة وفي أسس المهنة التي يريد أن يلتحق بها .
إذا كانت خريجتا الجامعة البريطانية لا تعرفان “فين الدقهلية” ، فهناك ممن جاءوا إلينا في إعلام دوت أورج وهو موقع إلكتروني في زمن لا يتحدث إلا عن الصحافة الإلكترونية ليسألوا بكل براءة ” أين يقع مقر الجريدة؟ “، وهناك من تكلم معي أنا وزملائي طالبا التدريب لنكتشف بعد دقائق أنه لم يدخل الموقع قط قبل فتح الحوار، بعضهم يتعلل بأزمة الإنترنت في مكان السكن، أو بأنه متحمس عرف من “بروفايل” أحدنا أنه يعمل صحفيا في هذا الموقع فطلب التدريب دون أن يدخل الموقع نفسه، والبعض رد بسخرية “وهو أنا لازم أدخل الموقع الأول وأقراه كله؟ هو أنا هتدرب على الكتابة ولا هديكم رأيي في الموقع؟” .
صحفيون على نهج حزلقوم في “لا تراجع ولا استسلام ..القبضة الدامية” ، لم يجلس خلف مقود السيارة من قبل لكنه لا يريد الإعتراف مقدما بأنه لا يجيد القيادة ، “مش يمكن لما أجرب أطلع بعرف” .
نرشح لك : محمد عبد الرحمن يكتب: الاستثنائية نادية لطفي
الخطأ لا يتحمله هؤلاء بمفردهم بالطبع، هم إفراز مجتمع انهارت فيه الثقافة العامة من جهة والقدرة على تقييم الذات من جهة أخرى، الكل يريد أن يفعل، المهم هو “الفعل” أن أكتب أخبارا وتُنشر باسمي، وأتباهى على “بروفايلي” بذلك، لكن ماذا عن الهدف، التخصص، السياسة التحريرية، إتقان اللغة، القدرة على تمييز الخبر من الكلام التافه، القراءة ومعرفة أن الخبر الذي ترسله لنا باعتباره انفرادا مر عليه 10 ساعات ونشرته كل المواقع، كل ذلك لا يهم، المهم أن أصبح صحفيا.
يحدث نفس الأمر في كل مجالات العمل تقريبا، لكن النتائج تكون أكثر سوءا إذا كان هذا العمل يتعلق بالإبداع وبالتواصل مع الناس وبتقديم منتج ثقافي أو فني موجه إلى عقولهم بالأساس، تابعوا فواصل القنوات الأقل جذبا للإعلانات، ستجدوا دعاية لألبومات ومطربين ما أنزل الله بهم من سلطان، هؤلاء حزلقوميون لكن على مستوى الموسيقى، وعلى نفس الخط ممثلون وكتاب ومخرجون يفرضون أنفسهم فرضا على الناس، والخطيئة الكبرى يتحملها من يفتح لهم الأبواب.
على الرصيف الآخر يقف عشرات الموهوبين، الذين أنصحهم بمقاومة اليأس والإحباط الناتج عن الزحام الذي يسببه “الحزلقوميون” ويساعد على انتشاره مسئولون ومديرون يريدون أن يكون الجيل التالي لهم أقل كفاءة أو يعدمها من الأساس حتى يضمنوا ولاءهم ويتفادوا الإطاحة بهم على يد كل من يثبت قدراته وتبرز إمكاناته، وإذا كان من النادر أن يعثر الموهوب على شخص كغسان مطر ينصحه قائلا “اعمل الصح”، فالحياة ليست كالأفلام في كل شئ، اعملوا الصح وكونوا مستعدين حتى يأتي حِين يلعب فيه الزهر وتتبدل الأحوال.