نقلًا عن “الشرق الأوسط”
هل يمكن أن تتخيل كيف يمكن أن تكون خدمات الحجيج والعناية بالحرمين، لو لم تكن السعودية موجودة؟!
يؤمن المسلمون بأنه «للبيت رب يحميه»، كما قال عبد المطلب جد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، لأبرهة الحبشي الذي جاء بجيش محاولا هدم الكعبة 570 ميلادي! لا أطرح سؤالي في البداية لألمح بأن السعوديين يمنون بخدمتهم للحجاج والحرمين، معاذ الله، لكنه محاولة لتخيل، من سيخدم مثلهم، وإلا فقد اختار ملوكهم، لقب خادم الحرمين الشريفين، بدلاً من كل ألفاظ التفخيم والتعظيم التي تمنح للملوك.
اعتنت السعودية بموسم الحج منذ التأسيس، إذ ازدهرت باستمرار الخدمات، وتكفّل ملوك السعودية منذ الملك المؤسس، عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود (1876 – 1953)، الذي بدأ شخصيًا بالاهتمام بالحجاج، حتى انتشرت في البلاد حينها مقولة صارت مثلاً: «لا حجّ إلا حج الملك عبد العزيز»!
كتب عن أصل هذه العبارة راشد بن سعد الباز: «كان عبد العزيز يبعث برسائله إلى المشايخ وأمراء البلدان وأمراء القبائل قبل الحج بنحو شهرين، وفيها أمر بحصر الناس المحتاجين، والفقراء الذين لا يقدرون على الحج إمّا لعدم قدرتهم على تحمل نفقات الحج، أو لوجود إعاقة لديهم، ونتيجة للخدمات والتسهيلات غير المسبوقة وغير المألوفة، التي كان يجدها هؤلاء الحجاج، تولد لدى بعض عامة الناس، نتيجة للجهل شك في أنّ هذه الخدمات من الرفاهية التي قد تؤثر على حجهم وأنّ حجهم ناقص، وأصبح بعض عامة الناس يرددون عبارة ما حج إلا حجة الملك عبد العزيز»!
كان عبد العزيز يخصص خدمًا للمعاقين وللمكفوفين، ويؤوي المحتاجين، ويعمل على توفير الملاذ الآمن للحجيج، ويشرف على الموسم شخصيًا كما في حج عام 1953. من هذه الخلفيّة الباذلة تأسس الاهتمام السعودي بالحج، ومع اقتراب الموسم سنويًا تعلو الأصوات المناوئة من الإيرانيين أولاً، ومن ثم بقية المستكثرين على السعودية موقعها الاستراتيجي، وحيثيتها الدينية من العروبيين الانعزاليين.
بل إن إحدى الصحف العربية ادعت أن السعودية «تنسّق مع إسرائيل لتأمين موسم الحج»! إلى هذه الدرجة بلغت الجنايات العدوانية على عناية السعودية بالحج والحرمين!
طوال نصف قرنٍ مضى لم تزدد السعودية إلا صلابة في تأمين موسم الحج، بينما أخذت إيران تحرض أياديها في الخليج لزعزعة موسم الحج منذ أوائل الثمانينات، وتسببت في مجازر قامت بها فصائل من «حزب الله» في الخليج، وقد بثت اعترافاتهم معلنين انتماءهم لإيران، وتلقيهم توجيهات رسمية وأمنية، للإخلال بموسم الحج بغية إحراج السعوديين.
أحداث كثيرة أزهقت أرواح الحجاج كانت إيران هي المتورّطة فيها، كان أبرزها بالطبع ما جرى في الحادي والثلاثين من يوليو (تموز) عام 1987. حين قام الحجاج الإيرانيون الحاملون صور الخميني وأعلام إيران، بمظاهرات حاشدة أثناء موسم الحج، أدّت إلى قطع الطرقات وقتل بعض الحجاج، والمواطنين ورجال الأمن.
وفي العاشر من يوليو عام 1989. دبّر تنظيم «حزب الله الكويت» وبتعليماتٍ – قيل إنها من محمد باقر المهري وبالتنسيق مع دبلوماسيين إيرانيين – تفجيراتٍ في المشعر الحرام؛ الأول: في أحد الطرق المؤدية للحرم المكي، والآخر: فوق الجسر المجاور للحرم المكي، ألقت الشرطة السعودية القبض على 20 حاجًا كويتيًا، اتهم منهم 16 بتدبير التفجير، وعرضت «اعترافات» لهم على التلفزيون السعودي.
وفي العام الماضي كشف مسؤول بمؤسسة مطوّفي الحجاج الإيرانيين لجريدة «الشرق الأوسط»، أن «قرابة 300 حاجٍ إيراني خالفوا تعليمات التفويج الأمر الذي تسبب في مقتل العشرات من الحجاج»، بينما زوّرت إيران هويّة سفيرٍ لها ضمن الحجاج، مخالفة بذلك القوانين والأنظمة المدنيّة المتّبعة في كل الدول.
لن يحضر الحجاج الإيرانيون هذا العام، وهذا مؤسف، لكن السؤال، من الذي دفع باتجاه عدم حضورهم؟! وهل يعني هذا أن إيران لن تحضر بأعمال التخريب؟!
أنسينا أنها استخدمت من قبل أحزاب الله في الخليج، ولديها التأثير على جنسياتٍ أخرى من نفس التوجه الآيديولوجي، قد يأخذون دور إيران في الزعزعة والإخلال؟!
لا تستطيع أن تعرف كيف تفكر العقلية الآيديولوجية الإيرانية، لأنها تنطلق من موروثات تاريخية، وأحقاد محفورة، ومحروسة في الذاكرة والوجدان، وبالتالي فإن الحج بالنسبة إليهم موضوع مستفز، منذ الثورة الإيرانية وإلى اليوم. إحساس ملالي إيران بأن السعودية هي من يأخذ الثقل الديني والروحي، الثقل الذي تتمنى إيران الحصول عليه على المدى البعيد، أما في المدى القريب فتتمنى تخريبه.
من المخيف أن تنتهك شعائر الله من نظام سياسي يدّعي أنه ديني، لأن تعظيم تلك الشعائر هي ذروة تقوى القلوب.