منذ اندلاع ثورة الخامس و العشرين من يناير و الإعلام في حالة من الفوضى لا تختلف كثيراً عن الفوضى الموجودة في الشارع أو عن تلك الفوضى التي اعتدت أن أكون جزءاً منها عندما كنت طفلة صغيرة يوم تجمع كل العائلة و تمددها في بيت جدتي ظهيرة الجمعه من كل أسبوع، حيث الضجيج و الأصوات المرتفعة المتداخلة غير المفهومة و الهمسات الجانبية بين السلايف أو الهمهمات التي يخشى أن يعلو صوتها فينكشف ما بها من نميمة غالباً ما تخص أحد الجالسين.
هذا إذا ما وجدوا الأماكن الكافية للجلوس في المقام الأول و التي دائماً ما استعانوا على هذه المعضلة بالجملة المصرية الشهيرة ( اتاخر خدني جنبك ) هذا بالإضافة إلى الطلبات التي لا تنتهي و الشكاوى من تآمرات و مكائد بين الأطفال و تحزبات و شللية عائلية مصرية أصيلة جداً و كأنها جزء من التركيب الجيني لهذا الشعب المبتهج دائما و أبداً حتى و لو انتفت كل الأسباب لابتهاجه.
في المساء و عند انتهاء اليوم العاصف و بعد غياب كل هذا الحضور لا يتبقى إلا الفوضى و بقايا الطعام و الكوب المكسور الذي كسره أحد الأطفال ثم أنكر فعلته و بقى الفاعل مجهولاً كل واحد من الأطفال يشير للطفل الآخر و يغلظ الأيمان أنه ليس الفاعل أما حال الجدة فهو لا يختلف كثيراً عن حال البلدة .
ينتهى اليوم و هي غير هانئة و غير مطمئنة و بابها مفتوح لمزيد من الزوار أو لعابري السبيل أو لحشرات الليل التي تبحث عن فتات الطعام تقتات منه لتكمل الرحلة في الظلام .
ما سبق نسخة من احال في الإعلام المصرى هذه الأيام لا يختلف كثيراً عن بيت الجدة الذي يعم بالضجيج و النميمة و الحوارات المتداخلة غير أن أهم ما يفرقه عن يوم الجمعه فى بيت جدتي أنه يفتقد لتلك الحميمية و الدفئ التي تلفت الجدران تلك الجدران التى تنشع بالرطوبة و تتراكم فوقها الأملاح و هو شئ آخر يشبه إعلامنا هذه الأيام، بكل ما يعلق به من تكلسات كلامية و انفرادات تنشع كذباً و تسلقاً على حساب الآخرين الذين قد يكونوا إعلاميين أو مشاهير يشتغلون بالإعلام و قد دارت الدائرة و رحلوا ليجلسوا على دكة الإحتياطى التي إمتلأت بهم عن آخرها و كلما إنضم إعلامي جديد إليها ردد على مسامع سابقيه بشئ من الذهول و عدم التصديق اتاخر خدني جنبك.
هذا لا ينفي أبداً أن الدكة المقابلة و هي دكة الفضائيات هي الأخرى مزدحمة و متخمة بالكثير منهم و ينضم إليها في كل يوم وجه جديد لا يحمل من الموهبة و لا المهنية شئ غير أنه يعرف الطريقة أو الطريق الأمثل لنزول الملعب و كل ما عليه فعله هو أن يردد على من سبقوه داخل الاستديوهات الضخمة الفخمه الجملة الساحرة : إتاخر خدني جنبك .
اقرأ أيضًا:
مي سعيد: من الذي بدأ بالإساءة للرسول؟
مي سعيد : البوكسر والمذيعة ونسبة المشاهدة