نقلاً عن البوابة
لم يخرج المصريون ثائرين فى ٢٥ يناير لأنهم كانوا جائعين، لكنهم ثاروا ضد الفساد والاستبداد وتغييب إرادتهم من قبل سلطة أرادت أن تجعل من البلد عزبة يتحكمون فيها كما يشاءون ويورثونها لأبناءهم.
ولم يخرج المصريون فى ٣٠ يونيو لأنهم كانوا فقراء، لكنهم أعلنوا غضبتهم الكبرى فى وجه نظام خطط لهدم الهوية المصرية، وحاول إذلال المصريين وجعلهم مواطنين من الدرجة الثانية، لصالح جماعة الاخوان التى كانت ترى أن من ينتمى اليها مواطن سوبر، يقدر على كل شئ، رغم أنهم كانوا عجزة وفاشلون ولا يزالون.
ولذلك فإن من يروجون الآن لثورة الغلابة، حددوا يوما لانطلاقها هو ١١ نوفمبر القادم، ليسوا الا من مجموعة من المغيبيين، دعك من التفسير الأمنى المستعجل، الذى ذهب الى أن هذه الدعوة تقف وراءها جماعة الإخوان المسلمين، لا استبعد ذلك بالطبع، لقناعتى التامة بأن جماعة الاخوان تقف وراء كل الشرور التى تواجهنا الآن والتى سنواجهها بعد ذلك، ولكن تفسير الأمر بأنه مؤامراة إخوانية، فيه كثير من الخفة والتبسيط ومخاصمة الواقع.
يعيش المواطن المصرى الآن فى ظل أزمات اقتصادية طاحنة، وهى أزمات منطقية فى ظل حالة الارتباك التى تعيشها مصر منذ ٢٠١١، وهى مبررة كذلك فى ظل مواطن اتكالى كسول، لا يريد أن يعمل، بل ينتظر من يطعمه، ويحل له مشاكله كلها جملة واحدة، دون أن يشارك فى الحل مجرد مشاركة، حتى لو كانت عابرة.
نرشح لك : محمد الباز يكتب :الجحيم القادم.. اللعب بنار السخرية من الجيش المصري
صحيح أن الأزمات الاقتصادية تمثل خطرا عظيما، فهى تجعل المواطنين عرضة للاختطاف من قبل من يريدون تخريب هذا الوطن، تمثل مدخلا جيدا للنفخ فى روح الغضب، وأرضا مناسبة لتصنيع الثورة التى إذا قامت فلن تترك أخضرا ولا يابسا، فالشعوب تزحف على بطونها، ولا تترك لعقولها أى فرصة للتفكير.
لكن السؤال الذى لابد أن نواجهه هو: هل من حق الجائع المصرى أن يثور؟ هل من حقه أن يخرج غاضبا على من يعتقد أنهم سبب فى جوعه وحرمانه؟ هل له أن يقف معتصما احتجاجا على من سلبوه ماله وجعلوه يعانى آناء الليل وأطراف النهار؟
الإجابة المنطقية التى من المؤكد أنها حاصرتك الآن هى: وإذا لم يخرج المصرى الجائع ثائرا فى هذه الحالة، فمتى يثور؟ ولديك كل الحق فى ذلك، لكن قبل أن تستمتع بإجابتك التى ستعتبرها مفحمة، أرجوك أن تتوقف قليلا.
فالمصري الجائع كما هو ضحية الأنظمة التى تعاقبت عليه منذ عقود عديدة، فهو ضحية نفسه، إنه ينتظر من يحل له مشاكله دون أن يساهم فى ذلك ولو بقدر يسير، ولذلك قبل ان يثور المصرى الجائع على نظامه، يجب أن يثور على نفسه، عليه أن يعمل، أن يبذل جهدا ليحصل على حياة أفضل، بدون ذلك لن تنفعه ثورته، لأنها لن تغير وضعه إلى الأحسن، بل ستورثه فقرا أكثر، وعوزا أكثر، واحتياجا أكثر.
إننى لا أقف فى طريق أحد، لكنى لاحظت أن الدعوة لثورة الغلابة كتبت شعاراتها على الأوراق النقدية من فئة العشر جنيهات، وهى فكرة تدعو الى السخرية والشفقة، أكثر من الدعوة الى التفاعل والتأمل والمشاركة، ستقول أنها فكرة مبتكرة للثورة، وأن من فكروا فيها يريدون أن يصلوا الى الناس بأى طريقة.
حتى لو كنت محقا فى ذلك، سأقول لك أن ما يحدث خلال هذه الدعوة ليس الا من باب السذاجة، فهى طريقة من طرق التثوير التى يتعلمها النشطاء فى أكاديميات غربية معروفة بالاسم، ورغم الإبداع فيها، الا أنها محاولة فاشلة، لأن الجائع المصرى لا يفكر أبدا فى الثورة، بقدر ما يفكر فيمن يطمعه، ولذلك فهو يصبر على السلطة التى تحكمه ويلتمس لها الأعذار، ثم أنه جرب أن يثور فوجد نفسه فى مآزق لا يستطيع الخروج منه.
بدلا من أن تفكروا فى الثورة، اعملوا، ساهموا فى اخراج هذا الوطن من عثرته، فإن لم نفعل ذلك، فليس علينا أن ننتظر خيرا أبدا، لا الآن ولا غدا