فيلم إيشان، هو فيلم هندي، من إنتاج عام 2007 يحكي قصة طفل بالمرحلة الابتدائية يعاني من مشاكل في القراءة والكتابة “صعوبات التعلم “، ويرصد المؤلف فيه مشاهد عديدة من تلك الصعوبات سواء مع المدرسين أو في البيت، وعلى الرغم من نجاح والده في عمله إلا أن القسوة الشديدة التي تعامل بها مع إيشان ومقارنته الدائمة بأخيه الأكبر كانت تزيد من الأمر سوءاً، وكذلك عدم تفهم الأم للمشكلة التي يعاني منها الإبن بالإضافة إلى التشخيص الخطأ الذي أدى في النهاية إلى أن الطفل زادت كراهيته للمدرسة والتعليم، وكان قرار والده وبنصيحة من بعض المدرسين الذين أقروا بضرورة التحاقه بمدرسة داخلية في مدينة أخرى ..
وهناك في تلك المدرسة الداخلية، كادت مشكلته أن تتفاقم لتتحول إلى حالة من الاكتئاب لشعوره بفقدان العائلة، بالإضافة لتكرار نفس معاملة مدرسيه في المدرسة الأولى، فيما عدا مدرس الرسم الذي تم تعيينه جديداً بالمدرسة والدور الذي لعبه مع الطفل حين اطلَّع على بعض من رسوماته واستطاع من خلالها ومن ملاحظته لاختيار إيشان للألوان أن يكتشف الطريقة المثلى للتعامل معه ودفعه للتكيف واكتسابه لمهارات التعلم، لن أحكي باقي القصة ولكن أدعوكم لمشاهدة الفيلم لتكتشفوا كيف أصبح إيشان طفل عبقري من خلال مجهود مدرس الرسم ..
بعد أن تعرفنا على دور مدرس الرسم في حياة إيشان، أسالكم كم منا ما زال يحتفظ في ذاكرته بدور مدرس الرسم أو حصة الرسم ؟! بالنسبة لي، كل ما أتذكره من حصص الرسم هو أنه في بداية كل عام يُطلب منا أن نرسم (انتصارات أكتوبر) والرسومات تقريباً كانت متشابهة، قناة مائية يقابلها ساتر ترابي وخراطيم مياه، وتمضي الحصص حتى يأتي (عيد الفطر) ، فيطلب منا المدرس رسم مظاهر بهجة العيد وطبعاً الكحك والأفران، ثم عيد (الأضحى المبارك) ونرسم الخرفان أو معها الجزار وفي يده سكين، أو رسم الحجيج حول الكعبة وأيضاً الرسومات كلها متشابهة، ثم يأتي دور (المولد النبوي) في الرسم، لنرسم الحصان والعروسة، وأخيراً و دائماً يأتي رسم ليوم (شم النسيم) وطبعاً نرسم البيض الملون والبصل وبعض الشخابيط التى تعبر عن كائنات في أماكن نفترض أنها حدائق ومنتزهات عامة ..
نرشح لك : علاء الدين العبد يكتب: الخطايا التِسع للسيسي ومرسي
لا أتذكر أن طلب منا مدرس مرة واحدة أن نرسم ما يتراءى لنا أو كما يصوره لنا خيالنا، أو أن يصحبنا خارج الفصل ويطلب منا رسم ما نراه كلا من زاويته، قصتان مازلت أذكرهما مع مدرسي الرسم، الأولى كانت في الصف الأول الإعدادي، كان مدرس جديد حل على المدرسة بعد بدء الدراسة بأسبوعين، اسمه أستاذ/ أحمد ، طبيعي أن لا أذكر اسمه كاملاً لأنه لم يدخل فصلنا سوى مرة واحدة ولا أدري إلى أين رحل، أما الحدث، فلأول مرة يشرح لنا مدرس كيف تُرسم ورقة شجر وكان يمر على كل طالب ويشرح لنا كيف يكون الظل وعلاقة الظل بالضوء، كانت حصة ممتعة لم تتكرر، ومعها شعرت لأول مرة بالرغبة في الرسم ..
القصة الثانية حدثت معي في الصف الأول الثانوي، المدرس كالعادة حضر بعد بداية العام الدراسي بقليل وعلمنا وقتها أنه عائدٌ من إحدى دول الخليج، كان اسمه محمود عرفه، سعدنا جداً به لأنه وعدنا في الحصة الأولى التي تعرف علينا فيها أن حصة الرسم التالية، ستكون بغرفة الرسم، وكنا لأول مرة نعلم أن بالمدرسة غرفة للرسم، وقد كان، وذهبنا معه وبدأ يشرح الفرق بين أنواع الألوان في الرسم ، ومتى تستخدم الألوان الشمعية والخشبية وأقلام الفحم ، ثم بدأ يشرح لنا تاريخ الرسم وعلاقة الرسم مع الفراعنة وكيف كانوا بارعين في اختيارهم للألوان، وهنا بدأت المشكلة، طلبت السؤال وسمح لي، فسألته وكنت جاداً جداً : “من أين كانوا يأتون بالألوان ؟! فابتسم وأشار لي بالجلوس مجيباً بكل بساطة وهو ينظر لي : “طبعاً من الأحجار الملونة” ، وتأهب لكي يسترسل في شرح تاريخ الفراعنة مع الرسم، ولكني لم أمهله الحديث وقاطعته ثانية متسائلاً، وأيضاً أُقسم أني كنت جاداً في السؤال : “كيف يحولونها إلى ألوان ؟!” فقال : “يكسرون الأحجار إلى قطع صغيرة ثم يطحنونها، ويبدو أني لم أقتنع بالإجابة،( وهذه مشكلتي حتى الآن)، وعدت لأسأله: “حضرتك حتى تتحول لألوان لابد أن تخلط مع زيوت ولابد أن تتحول الأحجار إلى مسحوق ناعم جداً، فكيف كان يتم ذلك ؟!” ، فأجاب : “الزيوت يحصلون عليها من النباتات وشحوم الحيوانات، أما المسحوق فكانوا يقومون بصنع منخل مثل منخل الدقيق من جلود الأغنام، وطبعاً لم أسكت، فقد سألته : “يا أستاذ/ محمود كيف يحولون جلود الغنم إلى دِقة ( منخل الدقيق )” ؟! والحقيقة كانت إجابته سريعة قائلاً : “يصنعون من الأحجار رؤوس مدببة جداً” ، ابتسمت قائلاً : “بصراحة أنا لست مقتنع” .. وهنا انتهت الحصة بتوبيخه لى وكانت آخر مرة يشرح لنا شيئاً، ولا أدري سوى أنه كان من حقي أن تصلني إجابة مقنعة ومفيدة عن ما يقوم بتلقينه لنا، وإلا فلا داعي أن يقحم تلك المواضيع والتفاصيل التي لا تفيد كثيراً في تعلمنا للرسم، حين أتذكر تلك الواقعة أتصور أنه كان بإمكانه أن يحتويني بأجابة سهلة ومقنعة إذا قال ك أن الفراعنة الذين بنوا الأهرامات وتلك المعابد واحتفظوا بتلك الجثث عبر آلاف السنين بالطبع كانوا قادرين أن يصنعوا ما يشاؤون بدون، ما زلت أقابل أستاذ / محمود، وأحييه أن كان له الفضل أن يفتح غرفة الرسم التي ظلت مغلقة لسنوات طويلة وحاول أن يقدم شيئاً جديداً ..