عاطف إسماعيل : فلنحطم الأسطوانة كما حطم إبراهيم الأصنام

مهمة المثقفين في أي مكان هي التنوير وتسليط الضوء على ما لا يستطيع الشخص العادي فهمه وإنارة الطريق أمام المحيطين بهم بالفهم والوعي وإعمال العقل.

وكان عباس محمود العقاد من أكثر المفكرين الذين تصدوا للشبهات التي كان المستشرقون يرددونها عن الإسلام.

ولعل أفضل ما لمسه هؤلاء أثناء مناقشاتهم مع العقاد هو منطقه الإنساني، إذ كان يلجأ إلى المنطق البسيط في رد الشبهات وسوق الحجة على بطلان شبهات من يناقشه.

وكان المفكر العربي المسلم العبقري يناقش بالمنطق السليم، ولا يسوق آيات قرآنية أو أحاديث نبوية لمن يناقشهم، لأنهم ببساطة ليسوا مسلمين ولا يؤمنون بالقرآن ولا السنة الشريفة، لذا لزم إقناعهم بالمنطق الإنساني بعيدا عن الإسلام وتعاليمه ونصوصه.

واليوم ننتظر عيد الأضحى المبارك الذي يجسد الكثير من المعاني والقيم الإنسانية التي تضمنتها رسائل بعث الله بها لعباده من خلال أفعال قام بها أبو الأنبياء إبراهيم وولده إسماعيل عليهما السلام.

واليوم أرى أن تلك الرسائل تتردد على ألسنة المشايخ والعلماء في وسائل الإعلام وكأنهم يعيدون نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي.
فإذا جلست أمام شاشات الفضائيات، أو حتى استمعت إلى الراديو في سيارتك ودار الحديث عن عيد الأضحى ورسائله، فأكاد أجزم أنك ستتوقع كل كلمة ينطقها المذيع أو الشيخ أو العالم قبل أن ينطق بها.

وأرى أن الأفضل من شغل الهواء ببث حي أن يُعاد بث ما قاله هؤلاء في الأعوام السابقة على شاشات الفضائيات وأثير الإذاعات توفيرا للتكلفة لأنها أسطوانة يكاد كل مشاهد ومستمع يحفظها عن ظهر قلب.

إذن هناك حاجة، ليس فقط لتجديد الخطاب الديني، بل إلى تجديد الخطاب الإعلامي الديني وتغيير المحتوى الإعلامي الذي يشتبك مع القضايا والمناسبات الدينية حتى يعكس الإعلام حاجات ومتطلبات المستمعين من المسلمين وغير المسلمين الذين يعيشون في تلك البيئة الإسلامية المسجلة مسبقا.

فعيد الأضحى، على سبيل المثال، يمكن تناول القيم التي يدعو إليها في إطار يربطها بمتطلبات الحياة، فيمكننا أن نروج لمفهوم التضحية والطاعة من خلال ربط قصة سيدنا إبراهيم عندما هم بذبح ولده تنفيذا لأمر الله.

ويمكننا أيضا أن نروج لقيمة الصبر والتمهل والتفكير المتأني قبل الاندفاع إلى المعارضة، كما فعل أبو الأنبياء عندما هم بذبح ولده طاعة لله وتأنى وصبر حتى وهب الله له ما يجنبه فقد ابنه، وهو الكبش الذي لعب دور أول أضحية في التاريخ.

ويرتبط عيد الأضحى بالحج الذي يمكن أن نروج من خلاله إلى قيمة الرقي وكيف يتحرك الحجيج من مكان إلى مكان وهم ممتثلون لأمر الله ويعملون بقوله تعالي “فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج”، بل رقي والتزام بالمعاملة الحسنة والأخلاق الحميدة.

أما القيمة الثانية في أداء فريضة الحج فهي النظام، قيمة النظام تظهر جلية في ترتيب مناسك الحج التي علمها إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو نظام محكم ودقيق ولا تبدأ المشاكل والأزمات إلا عندما يخالف الحجيج هذا النظام فيتدافعون ويتخلون عن الصبر والرقي.

القيمة الثالثة هي البساطة، إذ يرتدي الحاج قطعتين من الملابس، ومع ذلك يبدو مستورا ولا يظهر منه ما يضر الناظرين إليه.

القيمة الرابعة هي الاقتصاد، إذ يؤدي الحجاج الفريضة بأبسط الإمكانيات والمتطلبات.

القيمة الخامسة هي الإجماع على هدف واحد وتحمل المشقة والصعاب من أجل تحقيقه.

فهل من مستجيب في وسائل الإعلام، هل هناك من لديه القدرة على تبديل الأسطوانة المشروخة التي تكرر أجزاء من محتواها بنفس الطريقة طوال الوقت كلما حل موسم الحج وغيره من المناسبات الدينية؟

هل هناك من يؤمن قولا وعملا بين الإعلاميين بأن الإعلام مؤثر قوي في المجتمع، وليس مجرد متلقي للآثار المحيطة به فحسب؟