طارق الشناوي – نقلًا عن المصري اليوم
سبقتنا تونس فى الغضب، حيث انطلقت ثورة ((الياسمين)) فى 17 ديسمبر، وتفجرت ثورة ((اللوتس)) فى 25 يناير، وسبقتنا فى الاستقرار السياسى، وها هى تسبقنا أيضا للمرة الثالثة فى عرض فيلم “محمد” الذى أنتجته إيران، متناولا طفولة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، حيث تحدد 21 سبتمبر الجارى موعدا نهائيا لبثه تجاريا فى العديد من دور العرض بالعاصمة تونس، هذا الفيلم هو الأكثر تكلفة فى تاريخ السينما الإيرانية 40 مليون دولار، وأتصور أيضا أنه سيصبح الأكثر إيرادات فى تاريخ السينما الإيرانية، برغم أن هناك رفضا عربيا مقترنا بتوجس سنى يحول حاليا دون السماح بعرضه فى العديد من الدول الإسلامية.
الصراع السنى الشيعى أو العربى الإيرانى فرض نفسه مسبقا على أزهرنا الشريف، وأعلن منذ أن تردد اسم الفيلم عن عدم حماسه الشرعى، برغم أن الشريط لا يتضمن مشاهد للرسول يظهر فيها وجهه الكريم، ولكن كان ولايزال هناك تخوف مسبق فرض نفسه على الموقف بسبب الخلاف بين السنة والشيعة على التجسيد، الفيلم لا يتضمن فى الحقيقة تجسيدا كما يؤكد مخرجه مجيد المجيدى الذى أضاف أن علماء سنة، حيث يشكل السنة 12% من الشعب الإيرانى، قد وافقوا على الفيلم.
العالم العربى باستثناء العراق، التى أجازت العرض، لا يزال مترددا فى السماح بتداول الشريط، بالطبع ربما لأسباب سياسية عُرض فى العراق، حيث إن الشيعة يمثلون قوة ضغط تستطيع فى النهاية فرض رأيها، الفيلم الذى يُقدم حياة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام فى مرحلة الطفولة حتى الثالثة عشرة، مستعرضا الظروف السياسية والاجتماعية التى صاحبت مولده الكريم، المعروف أن مجيد المجيدى وهو واحد من أكثر الأسماء لمعانا فى السينما الإيرانية الحالية، على أن تصل الرسالة للعالم الإسلامى بعيدا عن اختلاف المذاهب، خاصة أن الفيلم فى النهاية، كما أكد المخرج، يدافع عن الإسلام، دين السلام، حيث إن هناك جزءا ثانيا يبدأ منذ الثالثة عشرة وحتى نزول الوحى فى الأربعين، ليقدم بعدها الجزء الثالث الذى يتناول المرحلة الزمنية حتى رحيل رسولنا الكريم فى 63 من عمره.
لا أعتقد أننا فقط بصدد صراع عقائدى، ولكنه أيضا سياسى، يجب ألا ننسى أن نضيف للمعادلة أن إيران تقف دائما على الشاطئ الآخر من القضايا العربية المصيرية، كما أن تواجد فيلم أو وفد إيرانى سينمائى غير مستحب مثلا فى مصر، بل فى العادة لا تمنح الدولة تأشيرة دخول لأى فنان إيرانى يرشح فيلمه فى مهرجان يقام على أرض مصر، بينما لا يستغرق الأمر على الجانب الآخر أكثر من بضعة أيام للحصول على تأشيرة للدخول إلى إيران من القائم بالأعمال فى القاهرة، وهكذا لا يستطيع مثلا مهرجان القاهرة السينمائى استضافة أى فنان إيرانى، إلا أن هذا لم يمنع قبل عامين أن يشارك فيلم إيرانى فى المسابقة الرسمية، وتحصل إيران على جائزة الهرم الذهبى لأفضل فيلم فى مهرجان القاهرة الدولى، ولم يجد القائمون على المهرجان وقتها أحدا من المشاركين فى الفيلم لاستلام الجائزة.
بالطبع لم نفاجأ بأن إيران لديها مشروعها السينمائى لتقديم فيلم عن حياة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، كان الخبر قد تسرب عام 2012 عن شروع وزارة الثقافة الإيرانية فى إنتاج هذا الفيلم، وهو ما أثار حفيظة الأزهر الشريف، خاصة أن تجسيد النبى محمد عليه الصلاة والسلام تحرمه تماماً هيئة كبار العلماء سواء فى مرحلة الطفولة أو الشباب وليس فقط بعد نزول الوحى، وبدأ الأزهر يعلن مجددا رفضه، محذرا أنه منذ عام 1926 عندما قرر يوسف وهبى تقديم فيلم «النبى» من إخراج وداد عرفى، والذى يجسد فيه شخصية سيدنا محمد، وهناك رفض قاطع وقطعى، ولهذا فلقد تراجع وقتها مباشرة يوسف وهبى وأعلن أنه لم يكن يعلم تحريم ذلك شرعا، ومنذ ذلك الحين لم يجرؤ أى سينمائى على تقديم فيلم لتجسيد النبى محمد عليه الصلاة والسلام، وهو ما حرص على تأكيده المخرج الإيرانى بأنه لا يوجد تجسيد فى أى من المراحل الثلاث التى سيتناولها الفيلم بأجزائه الثلاثة.
كنت فى إيران قبل نحو أربعة أعوام أثناء بدايات الحديث عن تنفيذ الفيلم، وكان ما يتردد وقتها أن هناك بالفعل طفلا يؤدى دور خاتم المرسلين، ولكن لا يظهر وجهه.
هل هو صراع شيعى سنى قادم، حيث إن الأعمال الدرامية الشيعية جسدت من قبل النبى يوسف الصديق والسيدة مريم العذراء رضى الله عنهما، وهذا أيضاً محرم طبقاً لما يراه الأزهر الشريف بمرجعيته السنية.
التجربة العملية أثبتت أن هناك أكثر من وجهة نظر تقف ما بين الإباحة والتحريم، وشاهدنا هذا جلياً فى مسلسل سيدنا «عمر» وقبله «الحسن والحسين ومعاوية»، مرجعيات سنية لها قامات رفيعة اسمها يتصدر هذه المسلسلات يبيح عرضها، وبالتالى لا يمكن التشكك فى نواياها، وعلى الجانب الآخر الأزهر لديه قناعاته المطلقة فى التحريم للأنبياء والخلفاء وآل البيت والمبشرين بالجنة والصحابة، والأمر يبدو قطعياً وبلا أى قدر من المرونة تفتح الباب أو حتى تواربه فى إمكانية إعادة النظر فى هذه الممنوعات.
برغم أن لدينا مسلسل «عمر» الذى أنتجته قناة «إم بى سى» السعودية قبل عامين وبه لأول مرة تجسيد للخلفاء وعدد من الصحابة وآل البيت والمبشرين بالجنة.
الدراما الدينية تحررت فى هذا المسلسل بقدر ما من القيود الصارمة التى كبلتها، وفى نفس الوقت كانت هناك أيضا محاذير، لأن الشيوخ السنة الذين سمحوا بتجسيد سيدنا عمر والخلفاء، هم أنفسهم الذين مارسوا ضغوطاً على مخرج المسلسل السورى حاتم على تفرض عليه أن يسند دور سيدنا عمر إلى ممثل جديد، وتشترط أن يتوقف عن ممارسة المهنة عدة سنوات قادمة وبعدها تخفف الأمر وصار فقط أن يبتعد عدة سنوات عن تمثيل دور غير لائق، والحقيقة أن الممثل منذ ذلك الحين، لم تعرض عليه أى أدوار لائقة أو غير لائقة حتى يوافق أو يرفض.
ويبقى أن الأمر فى النهاية لايزال خاضعا للاجتهاد، والدليل أنهم وافقوا على أن يلعب شخصيات باقى الخلفاء الراشدين سيدنا أبوبكر وسيدنا عثمان وسيدنا على ممثلون محترفون ـ فكيف وافقوا لأبى بكر واعترضوا على عمر.
هل يتسامح العالم الإسلامى، خاصة الأغلبية السنية، فى تقديم طفولة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام على الشاشة، هل يُصبح هناك قدر من المرونة بعد أن وافقت الرقابة التونسية على السماح بالعرض الجماهيرى؟ أتصور أننا بصدد عاصفة قادمة، ستتعدد فيها الآراء.
ويبقى الموقف الشرعى والرسمى فى مصر؟
يشعر المسلم أنه يخالف الشرع لو شاهد الفيلم وسط احتجاج الأزهر، سبق وأن عشنا هذا التناقض قبل ثلاثة أعوام مع مسلسل ((عمر)) حيث إن الأزهر اعترض بسبب تجسيد الخلفاء الأربعة، رضى الله عنهم جميعا، عدد كبير من المسلمين فى مصر وخارجها شاهدوه، فهل هم آثمون من وجهة نظر الأزهر، أتمنى من رجال أزهرنا الشريف أن يشاهدوا نسخة فيلم ((محمد)) أولا وبعدها من حقهم لو وجدوا ممنوعات شرعية أن يشجبوا ويمنعوا، مع يقينى التام أن الفيلم خلال بضعة أشهر سيصبح متوفرا كاملا على ((النت))، ويبقى فى المعادلة إحساس المسلم، هل هو يرتكب معصية بمشاهدة الفيلم فى أى دولة فى العالم تسمح بعرضه.