محمد حسن يكتب : موت تحتها يا محمد يا ديب

كُنُتُ أجلس وحيداً في المنزل ، كُنّا في رمضان ، العاشرة مساءً ، كُنت في حالة من الاكتئاب ، أُقلب وأنتقل بين القنوات ، توقفت عند نايل سبورت ، البارلمبيات “أولمبياد ذوي القدرات الخاصة” ، الكاميرا مرتفعة ، الكادر بعيد ، يبدأ في الاقتراب ، مع اقترابه أسمع أحدهم يصيح بصوت جهوري : موت تحتها ، موت تحتها يا محمد

لأ دا أنا هجيب النضارة بقا

انتفضت ، وضعت النظارة علي وجهي ، اقترب الكادر أكثر ، محمد الديب وخلفه مدربه صاحب الصوت الجهوري ، يجلس الديب علي كرسي متحرك ، ملتحي ، صاحب وجه صارم وعازم ، وقتها المُعلق أخذ يصيح هو الآخر مُلقياً مزيداً من التشجيع لمحمد الذي لا يسمعه ولكنّا نسمعه بوضوح مخاطباً محمد فينا ، صعد محمد وكان قد فشل في الرفعة السابقة ، كان عليه أن يزيد الوزن حتي يحصُل علي الذهبية ، تمتم بكلمات يبدو أنه كان يتلو آيات من القرآن الكريم ، يدعوا الله ، كان المُعلق يدعوا هو الآخر ، كنت بدأت الدخول في منطقة النبض السريع ، استعد محمد واختتم بأن قال : ياااااااااااااااارب

فخرجت مدوية ، ربما شقت غيوم المملكة التي لا تغيب عنها الشمس

نزل تحت البار ، رفع الوزن بشكل ناجح ، صرخ ، مدربه صرخ ، صرخت معهم بحرية أكبر من أي وقت مضي لأني كنتُ وحيداً ، بكي ، فبكيت وبكي آخرون ، ارتفع العلم ، خفق قلب محمد ومدربه ، خفق قلبي ، ارتفعت مصر قليلاً ، بدأ عزف السلام الوطني ، لحظة صمت تسود الكون ، بلادي بلادي بلادي ، لك حبي وفؤادي….

إلي آخر الكلمات التي أصبح لا يرددها ولا يعرفها الكثير من الأجيال الصاعدة ” معلش معذورين ومصر برضه معذورة ”

وقتها لا يوجد كلمات ، هناك دموع أصدق من كل شئ ، لحظة عزف السلام الوطني هي لحظة سحرية ، تختزل كل شئ ، تختزل الوطن وترابه في كبسولة ، في علم يرفرف هناك ، ويصمت هنا ، حوارات ومناقشات ، أجيال لا تعرف معني كلمة وطن ، يريدون لوكاندة 5 نجوم بحمام سباحة وفيلا ب 3 جناين ، عدت من اكتئابي وصمتي بذهبية ودموع وصرخة وعلم ، لكن بقي محمد الديب وظل مطبوعاً في الذاكرة 4 سنوات ، أتذكره كل فترة ، منذ وقت قريب ذهبت إلي موقع يوتيوب ، بحثت عن الفيديو الذي يحصد فيه الذهبية ، وجدته ، سمعتها مرة أُخري :

موت تحتها ، موت تحتها يا محمد

سمعتها تلك المرة بحنين وشجن ، سمعتها كسمفيونية بتهوفن التاسعة ، أربع سنوات ، بالأمس قرأت علي فيسبوك عاجل : حصول الرباع المصري محمد الديب علي ذهبية البارلمبيات ، عاد الديب وجاب الديب من ديله ، هو الديب متغيرش ، نفس الوش واللحية وعلامة الصلاة وكلمة يارب ورفعة الوزن وعلم مصر والسلام الوطني ، كلمة يارب من أبطال مصر الأولمبيين بتأثر فيا وفي أي حد يسمعها بشكل أصدق ألف مرة من شيوخ الفضائيات ، اللاعيبة دي بتنزل تحت الوزن ، واحنا معاهم ، اللاعيبة دي مش دراويش ولا مجاذيب ، هم عندهم إصرار ، وصمت ، وقلب ميت ، إبراهيم حمدتو لاعب تنس الطاولة اللي بيلعب ” ببوءه ” بيرفع الكورة بأصابع القدم والمضرب بين سنانه !

في وسط كل الإحباط والمشاكل واليأس والفساد لو مبصتش للنماذج دي عمرك ما هتتغير ، وعُمر البلد ما هتتغير ، المساحة دي مش للتنظير ولا المزايدة ، المساحة دي عشان تعرف إن في معجزات بتحصل ، لو أنت فقدت صوتك ، فإبراهيم حمدتو فقد ذراعيه ، الديب فقد قدميه ، بس هم لسه بقلوب منورة زي الشمع واحنا …….

يعني للأسف وصلنا لمرحلة اننا نستعيب نقول إن في أمل ، رغم إن الأمل موجود في الأديان السماوية ، وفي كُتُب التاريخ ، وفي كل واحد عنده مساحة نور في قلبه وبيبص أعلي شوية من تحت رجله زي الديب وحمدتو وكل الأبطال وكل النماذج اللي بصت للحياة عموماً بنظرة مختلفة عن عموم المهمومين والثكالي المطحونين بكآبة فيس بوك وتنظير تويتر ، للأسف مضطر أطلع قومي وحالم وعندي شوفونية ونرجسي وأقولكم إن لسه في أمل

كل سنة وأنتوا طيبين.