محمد عبد الرحمن يكتب: مصر من تالت

نقلا عن مجلة 7 أيام

“زي ما محمود السعدني الله يرحمه زمان حكى حكايات وسماها “مصر من تاني” فـ إحنا هنا بنعيد مصر من تالت، وإن شاء الله رابع وخامس وسادس وإلى أبد الأبدين”.

المقطع السابق من مقدمة كتاب مؤمن المحمدي الجديد “مصر من تالت”، كتاب لم أكن أتوقع أن يكون هو موضوع المقال التالي لما كتبته في 7 أيام الأسبوع الماضي تحت عنوان “حزلقوم صحفيا”، قضية ننشغل بها منذ عقود لكن آثارها السلبية استفحلت بشدة في زمن الفيس بوك والإنستغرام، إنسلاخ الجيل الجديد من المصريين عن تاريخهم، ليس كلهم بالطبع، لكن هذا الإنسلاخ ساعد كثيرا على انتشار الشعور بـ اللا انتماء، الرغبة في الهجرة، الدعاء لله بالخلاص من مصر المحروسة، هؤلاء وبعضهم له كل العذر، يعرف مصر التي عاصرها فقط، لا مصر التي عاصرها الزمان وعبر عليها وظلت هي ثابتة راسخة في مكانها لا تهتز ولا تتبدل.

فارق كبير بين أن تخرج منها بحثا عن حياة أفضل وأن تخرج خوفا من أن تموت فيها، كتاب مؤمن المحمدي يقول لك بعامية لا يتقنها غيره إنه ياما دقت على الراس طبول، وأن ما نمر به الآن لو اعتبرناه سلبيا فهو لا شيء بالمقارنة بما مرت به مصر منذ تاريخها، بل إن قراءة هذا التاريخ والعودة له وتصفيته وتنقيته من الأكاذيب والمبالغات والأساطير قد تساعدنا أكثر في مهمة البحث عن باب للخروج.

“مصر من تالت” الصادر عن دار الرواق والذي نفذت طبعته الأولى بعد أسبوعين فقط، يحتوى على 60 حكاية عن مصر في آخر 200 سنة وربما أكثر قليلا، وكل حكاية يمكن أن تخرج منها بعشر حكايات أخرى لو قررت أن تبحث وتدقق أو تحاصر مؤمن المحمدي ليقدم سلسلة متتالية من هذه الحكايات كما فعل مع حكايات الأغاني في كتابه المهم “كل العواطف” وكما سيفعل قريبا بإصدار أول أجزاء حكاياته السينمائية تحت عنوان “ألف مشهد ومشهد”.

مؤمن المحمدي يحتفل بـ”حواديت” مصر من تالت 

في أول حكايات الكتاب مثلا، ستنسى الشكوى من ارتفاع الأسعار ولو لدقائق عندما تعرف أنه في زمن الخليفة المستنصر وصل سعر قرصة الخبز لألف دينار، ومن حكاية أخرى ستُدهش عندما تعرف أن أول عصابة لتزوير “القروش” في مصر -أي العملة – كان أفرادها من طلاب الأزهر، أما أقدم عملية لتنظيم الدعارة فكانت في أواخر القرن السادس الهجري في زمن الخليفة الفاطمي العزيز بالله، وظلت الدعارة مقننة في مصر لعقود طويلة حتى تقدم نائب وفدي يدعى سيد جلال عام 1951 بطلب إحاطة للبرلمان لتنتهي في مصر بكافة أشكالها، وبدلا من نشاط البوليس المختص في التأكد من حصول العاهرات على رخص العمل واستيفاء الشهور، انقلبت الآية وباتت المهمة القبض عليهم، في الكتاب ستعرف أصل كلمة “حنفية” وعلاقتها بأحد أكبر أئمة الفقه، ولماذا أطلقوا على كفر الزيات “كفر الآذيات” ومن الأمير الشهير الذي لقي مصرعه هناك.

وفي حكايته عن البطل أحمد عبد العزيز –إذا كنت تعرف أنه ضابط جيش وليس الممثل المشهور- سيصدمك بأن استشهاده جاء بطريق الخطأ وبنيران جندي مصري، ورغم الخلاف حول الدور التاريخي لأحمد عرابي لكن لا خلاف على كونه أول من أدخل بذور المانجو إلى مصر في رحلة عودته من المنفى، ويعيد الكتاب لمحمد البيلي حقه في كونه صاحب المقال الذي انطلقت من بعده حملة تمصير الاقتصاد وتأسيس بنك مصر تحت قيادة طلعت حرب، ويعيد الاعتبار أيضا للمخرج الرائد محمد بيومي الذي أسس شركة مصر للسينما والتمثيل مع طلعت حرب بل وفر لها المعدات السينمائية التي انطلقت أعمال الشركة من خلالها لكن اسمه ذاب وسط أسماء عديدة ساعدت في تدشين الصرح الاقتصادي الكبير الذي حمل اسم “مصر” ما بين بنوك وإستديوهات ومصانع وحمل إكليل الفخر بمفرده طلعت باشا.

حكايات الكتاب لا يمكن تلخيصها في هذا المقال بالطبع، نكتفي بما سبق ونختم بحكاية مرتبطة بتاريخ نقابة الصحفيين، التي خرجت للنور عام 1941 كما نعلم جميعا، لكن أول اجتماع بشأنها كان عام 1909 بسبب موقف سلبي من حكومة بطرس غالي باشا ضد الصحفيين المعارضين حيث لم توجه لهم الدعوة لحضور افتتاح قناطر إسنا، ما أدى لتجمعهم واتخاذهم قرارا بمقاطعة الاحتفال ليخرج وقتها أول مقترح لإنشاء نقابة الصحفيين.

مؤمن المحمدي بينهي الحكاية دي بقوله “تخيل ده كان بيحصل في مصر من 107 سنة، ويجي واحد يقولك تيران وصنافير سعودية، يا أخي… ولا بلاش”.

نرشح لك: العثور على جثة مصري في جزيرة تيران