نقلاً عن “CNN بالعربية”
سامية عايش
شباب يعزفون على آلات موسيقية… سيدات يعملن مضيفات للطيران ويلبسن تنانير قصيرة… بنات وأولاد يجلسون جنبا إلى جنب في المدرسة ويستمعون إلى معلمة ترتدي ثوبا أبيض ذي أكمام قصيرة… فكيف تحول ذلك إلى فصل كامل بين البنات والأولاد؟ وسيدات يلبسن عباءات سوداء من رؤوسهن حتى أقدامهن؟ وكيف تحول رجال الدين المتعصبين إلى رموز للشباب بدلا من الفنانين والمثقفين؟
هل عرفتم عن أي بلد نتحدث؟ نتحدث عن السعودية بعيون واحد من شبابها… بركة!
بركة ليس اسما من بنات أفكارنا، بل هو الشخصية الرئيسية التي يدور حولها فيلم “بركة يقابل بركة” لمخرجه محمود صباغ، وبطولة هشام فقيه وفاطمة البنوي.
يتحدث هذا الفيلم عن شخصية بركة، الشاب السعودي الهادئ، الذي يعمل في البلدية. حياته تبدو روتينية، ومملة في بعض الأحيان، إلى أن يتعرف إلى “بيبي”، الفتاة الشهيرة عبر موقع انستغرام، لتدور قصة حبهما ضمن الفضاء العام في السعودية، بكل مفارقاته المضحكة والمبكية.
حين تشاهد الفيلم، لا يمكنك إلا أن تقف احتراما أمام عمل لا يمكن وصفه إلا بالعظيم. فمن الناحية الفنية، لجأ المخرج إلى اللقطات الواسعة، ذات الألوان القوية، ربما ليضفي حياة جديدة على واقع السعوديين، إلى جانب نوع من الفرح إلى حياة بركة المملة.
فكرة الفيلم، كما حدثنا المخرج محمود صباغ، هي عن الفضاء العام، وعن قدرة السعوديين على ممارسة حقهم في الحرية وفي الحياة ضمن إطار هذا الفضاء.
الفيلم في طرحه احتوى على الكثير من الرمزية، فهنالك فنجان القهوة، الذي ترمز القهوة فيه لربما للأصالة العربية، والعودة إلى الأصل، ولكن في نفس الوقت مرارة مذاقه تعكس الحياة الصعبة التي يعيشها أبطال الفيلم. هناك أيضا الرجل الأسود الذي يبيع الحلوى في الشارع. حينما يراه بركة بداية، يظهر الرجل وحيدا، وعابسا، ومنعزلا، تماما كما حال بركة في أول الفيلم. ولكننا نعود لنرى الرجل مبتسما، يبيع الحلوى، ويتهافت حوله الأطفال، كما كان بركة أيضا في تلك الفترة بعدما توطدت علاقته بـ”بيبي.”
واقع شخصيات الفيلم كان في إطار المضحك المبكي، فهنالك شخصيات أضافت جوا من المرح والكوميديا على القصة، كشخصية دعاش، الذي يذكر من حوله بالزمن الجميل، الزمن الذي كانت فيه الثقافة والفن مصدرا لراحة الكثيرين، وليست قلقا لهم.
المغامرة الحقيقية للمخرج كانت اختيار بطلة العمل، وهي فاطمة البنوي. فاطمة لم تدرس التمثيل، ولم تقم به من قبل، فكان دورها في فيلم “بركة يقابل بركة” الأول لها سينمائيا، غير أن عفويتها وأداءها الذي عكس شخصيتها لربما في الحقيقة، كان مفاجئا للكثيرين، وبشكل إيجابي. (لربما لأن فاطمة درست علم النفس، فتمكنت بالتأكيد من رسم شخصية بيبي بشكل دقيق)
النقطة الأهم في الفيلم كانت عند دخول بركة منزله ليجد عمه المسن يجلس على الكرسي صامتا لا يتحرك. ينظر بركة إليه والأسئلة تدور في مخيلته: “كيف وصلنا إلى هنا؟” وتبدأ في ذهن بركة رحلة المقارنة بين حال السعودية سابقا، وحالها اليوم.. هذه الرحلة بين الصور حركت في داخلنا شعورا بالحسرة، والحنين، والألم. كررت هذه الرحلة أيضا سؤالا في داخلنا: متى يعود هذا الماضي؟ وهل سيعود على أية حال؟
تجربة بركة مع البنات بصورة عامة كانت مهمة، وتستحق الوقوف عندها. بركة لا يفقه شيئا في “علم التعامل مع الفتيات”، ويظهر ذلك من خلال هديته لبيبي، وحديثه إليها، وهو حال نسبة كبيرة من الشباب السعودي، الذين لا تهيئ الظروف أي فرصة لهم لأن يعيشوا حالة الإعجاب التي يعيشها أقرانهم في أي مكان آخر في العالم.
بعض أجزاء الفيلم أضيف إليها غطاء ضبابي، أو ما يعرف بـ Blur، بغرض تغطية ما “لا يجب النظر إليها.” هذه الإشارة ذكية من قبل مخرج الفيلم، ولعل فيها رسالة مفادها: “نتغدى بهم، قبل أن يتعشوا بنا!”
يطمح محمود صباغ إلى عرض فيلمه هذا يوما ما في السعودية، ويقول إنه سيقاتل من أجل أن يتحقق ذلك. إن تحقق ذلك يوما ما، فهذا بالتأكيد سيكون الإجابة الكافية على سؤال طرحناه أعلاه… هل سيعود الماضي يوما؟ بالتأكيد سيعود، وسيجلب معه مستقبلا أفضل منه للسعودي وللسينما السعودية.
عند عرض الفيلم في إمارة دبي، تساءل مخرجه: “إلى متى سيظل المواطن السعودي يدفع 2535 ريالا لمشاهدة فيلم سينمائي؟” وفي هذا إشارة كما ذكر إلى تذكرة الطيران إلى البحرين أو الإمارات، وهي ألفا ريال، وأجرة الإقامة ليلة واحدة، وهي 500 ريال، و35 ريالا لتذكرة الفيلم.
محمود صباغ وهشام فقيه وفاطمة البنوي وجميع من شارك في الفيلم، وغيرهم من الشباب في السعودية يحملون اليوم خطة مع أمل كبير بأن تتاح أمام السعوديين فرصة مشاهدة هذه الأفلام في بلادهم، من دون الحاجة للسفر، علّ بركة يقابل بركة بشكل علني في بلده، السعودية.