1
نحن الآن في بدايات الألفية.2001 ربما. أبناء جيلي بعضهم أنهى مراهقته وبعضهم على مشارف هذا. مواليد منتصف السبعينيات حتى منتصف الثمانينيات صارت لهم ذكريات مع الأغاني. كثير من مطربيهم التسعينيين طالته أتربة وبدأ يفقد بريقه مبكرًا ليلحق بنجوم الثمانينيات. النوستالجيا صارت حليفة الموسيقى.
كنا نقترب من حافة المرحلة برمّتها، عندما بدأ جيل جديد من المطربين في الظهور. استسغناهم، واستعنّا بأغاني بعضهم في شرائط “كوكتيل” نتبادلها مع الحبيبات، لكننا أدركنا أنهم ليسوا لنا، كما كان مطربونا غير ملائمين لمن سبقونا.
لا بد من غناء ننتمي إليه. بعد سنوات قليلة لن يلائمنا المطربون الجدد كثيراً، ولا نستطيع الانتماء إلى أغاني الأبيض والأسود، هي تصلح للإعجاب والدندنة فقط، لكن لا علاقة لها بثقافتنا أو وعينا الجمعي. من حسن الحظ أن عمرو دياب لم ينهار، وقف أمام فراغ غنائي تام محتمل حول وجدان هذا الجيل.
المطربون الجدد من نفس أعمارنا، سنكبر قبل أن يصير مشروعهم واضح الملامح، وقبل أن تغربلهم سنوات ما بعد الظهور، ويحقق بعضهم نجومية السوق. بعد 15 سنة، مرت كلمح البصر، صار لهؤلاء النجوم الجدد جمهورهم الذي يختلف، بطبيعة الحال، عن جمهور التسعينيات.
بين هؤلاء، ظهرت شيرين عبد الوهاب. تلقيناها مثلما تلقينا مجايليها: “لطيفة ومبهجة”، وكفى. غير أنها، بعد سنوات ستنحرف عن السرب، ستصير مطربة الجميع.
نرشح لك : شيرين عبد الوهاب ترد على تقليد حمدي الميرغني
2
شيرين عبد الوهاب هي ذلك الفنان الفطري عندما ينتبه لأهمية تطوير النفس، والعمل عليها يومًا بعد آخر، قبل أن يجد من يأخذ بيده في لحظة مهمة، لتصادق النجاح، كما قالت.
ربما هو شيء من الحظ بعد حياة صعبة، ربما أي شيء آخر. ما حدث أنها أصبحت فوق فكرة الأجيال الغنائية، وفوق الفئوية أيضًا. يلتف الجميع حول صوتها، طلّاب الجامعات الأجنبية وسائقي الميكروباص، ما لم يتحقق في الغناء النسائي المصري لسنوات كثيرة جدًا. لا أقصد الانتشار الجماهيري بمفهومه التقليدي، لكنه الوصول إلى عدة مستويات من التلقي. طموح يرنو لتحقيقه الفنان في كل الوسائط الفنية. الجميع يجد شيئا من المتعة. محبو الطرب سيُطربون، ومحبو الرقص أيضًا.الميّالون إلى الشجن والنهنهة، ومفضلو البهجة،معارضو الحكومة، والمدافعين عنها. الفن الحُلو بيت لا يشترط الانتماء السياسي للسكن.
لفترة طويلة جدًا، خلت الحياة في مصر من تلك المطربة التي يحبها الجميع، أو على الأقل “ممثليين عن الجميع”.
ربما أكون كلاسيكيًا. البلاد المُنهكة، التي ليس لديها شيئًا غنيًا سوى الثقافة والفنون، تحتاج إلى واحدة مثلها بين زمن وآخر.المسألة تتجاوز التأكيد على عدم الإفلاس الفني. هي تصلح سنادة لاستمرار توغل العامية المصرية في الوجدان العربي، بعدما تراجع بعض منها، بالأحرى، هي مطربة الضرورة.
على مسرح لبناني، قدموها قائلين: “صوت مصر”، ولمّا استضافتها إسعاد يونس، قالت بجرأة: “صوت مصر الأول”، ولا أتصور أنها لم تعمل حسابًا لعواقب الوصف، على الأقل بعض غيرة من زميلات الكار.
نرشح لك: بالفيديو.. شيرين: اعتزلت بسبب الحسد
لن أضعها في مقارنة مع أخريات عبر التاريخ الغنائي النسائي. أكتب في لحظة عاطفية، بعدما قضيت ليلة ممتعة أمام سهرتها مع إسعاد يونس في برنامج “صاحبة السعادة”. ليلتها انقسم “فيسبوك”، كعادته، حول أدائها. البعض لمس تجاوزًا لأغلب مشاكلها في الظهور التلفزيوني، والبعض لم يرَ هذا، لكن الجميع استمتع بالغناء.
لا أريد أن أبدو مُبالغًا في تقدير شيرين عبد الوهاب. لست محررًا فنيًا أو ناقدا متخصصا، لكنني ببساطة مستمع مبهور بصوتها وإحساسه.
أصبحت شيرين سيدة من سيدات المشهد الغنائي العربي، بصوت وإحساس نادرين. يومًا بعد آخر تتجاوز مشاكلها بذكاء فطري يتطور. تنتصر على التلقي السلبي لبعض الأداءات العفوية التي كانت قد نالت منها إعلاميًا.
3
“أُحب الغناء والموسيقى الحُلوة من بتهوفن وفيروز حتى محمود الليثي وموسيقى المهرجانات”، هكذا أُجيب عندما يسألني أحدهم عن مطربي المُفضل.
“المزيكا” في تصوري هي الموضوع. المُلحن الموهوب ساحر. السنوات قالت: “الصوت الحلو مش كل حاجة”، ولا الكلمات بالمناسبة. لكن للقاعدة شواذ. أحب صوت شيرين بغض النظر عمّا تقول، بمصاحبة موسيقى أو بدون.
نرشح لك :حمدي الميرغني لـ شيرين: بعشقك