شتان الفارق بين إنسان ترك أهله ونزل ليطالب بحقه في وطن يدعون فيه للحرية، وآخر اتخذ قرارا بإنهاء روح طاهرة بضغطة “زناد”، أحدهما حمل كفنه على يده وزهد الدنيا وما فيها من أجل حياة أفضل للآخرين، أما الثاني فتحمل مشقّة تحقيق المعادلة وجعل شريكه في الإنسانية يرتدي كفنه ويرحل تاركا اللعنات تحيط به حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.
“شيماء الصبّاغ” قُتلت، ولا أدلة قاطعة عن القاتل، لكن هناك شواهد تكاد تنطق بالحقيقة، آخرها تقرير الطب الشرعي الذي أكد وفاتها برش الخرطوش، بينما بدأ بعضهم يعد العدة ليشارك في تفريق دمها بين القبائل، أما الجهة التي من المفترض أن تكون محايدة، باحثة عن الحقيقة، أعياها النفاق والتطبيل، بشكل لا يُفرق بين بعض من ارتكبوا حماقات في حق الشهيدة، وبين من ارتكبوا الجريمة النكراء.
ماتت وردة شيماء، وعاش شوك الإعلاميين ينتهك حرمة موتها على الشاشات، منهم من يجامل السلطة دون طلب، وربما تلقى بعضهم أوامر بإبعاد الاتهام عن رجال الشرطة، وتناثرت صور تشكك في تورط “الطرف الثالث” في قتلها كالعادة، لكنها صورا مزيفة، كشفت بعض التقارير الإخبارية عن نشرها منذ أيام، قال أحدهم بالحرف الواحد وقد علت وجهه ابتسامة صفراء: “مش عاوزين نفكر ساعة الغضب.. الإخوان هم المستفيدين من مقتل شيماء.. خلونا ننتظر التحقيقات”!
أيها الإعلامي المُتجرّع بكأس من “البرود الإنساني”، ماذا لو كانت شقيقتك أو زوجتك؟، ماذا لو كانت ابنتك؟، هل كنت ستجلس مرتاح البال وتُنظّر على خلق الله؟، أيها الأخ -إن كنت إنسانا- ماذا تظن في أسرة مكلومة، وطفل لن يرى أمّه مرة أخرى؟، هل سيشاهدونك ويصدقوا أن عليهم التريث و”البرود”؟، أنا أعلم أن هناك من يطالبك بمثل هذا الحديث، لكن إن كانت لديك ذرة من نخوة؛ فلتقل خيرا أو لتصمت.
أما الإعلامي الآخر، الذي حصد اللقب بمباركة أمن الدولة، فاتهم الإخوان والخطة “حمادة” (على إسمه)، واتهم ممثلة، واتهم كل الأشخاص بكل الطرق التي تبعد إمكانية خروج طلقة الخرطوش من سلاح الشرطة، هكذا يأكل العيش، وهكذا يعرفه كل من يمسك “ريموت كنترول” ويقوده حظه السيء لمشاهدة برنامجه.
الثالث الذي حاول أن يبدو مهنيا، وتحدث عن مقتل الشهيدة بشيء من الحيادية وسمح بمداخلة أحد أعضاء تيارها السياسي شرح فيه الواقعة كما شاهدها، وقال إن الداخلية كذبت في بيانها عن الأحداث، لكنه في النهاية قال ما لا يمكن أن ينساه في مسيرته المهنية: “احنا عرضنا الواقعة وشهود العيان، والداخلية عارفة بتكلمنا ازاي وتوصلنا ازاي، لو عاوزين يعلقوا إحنا تحت أمرهم”، حسنا؛ فمن ليس تحت أمرهم يحتاج لنظارة معظمة حتى يمكن رؤيته وسط هذا الركام من البشر.
أما المواقع الإخبارية التي تتباهى بالمهنية والحيادية والشفافية (وأي حاجة آخرها إية) فحدّث ولا حرج، ينشر أحدهم خبرا عنوانه: “الطب الشرعي: شيماء الصباغ قتلت بخرطوش تستخدمه الشرطة”، وبعدها بدقائق عُدّل العنوان إلى: “الطب الشرعي: شيماء الصباغ قتلت بخرطوش يستخدمه المواطنون والشرطة”، ليخرج بعدها المتحدث باسم الطب الشرعي ويقول إن النيابة أمرته بالصمت، فيما يقول العقل إن الموقع المصون تلقى هو الآخر أمرا بالاشتراك في تفريق دم الشهيدة بين القبائل.
لن أتسرع كما تقولون، سأنتظر وستنتظرون التحقيقات، ونتابع تصريحات المتحدث باسم وزارة الداخلية، الذي قال إن الشرطة تبحث عن القاتل الحقيقي، فلسنا جهة تحقيق، ولا جهاز أمني يعلم الخبايا ويروي الأساطير، لكن أثناء الانتظار، دعونا نبحث عن شخص أتعبه منظر دم شيماء ودماء عشرات الشهداء منذ سنوات، سواء أريقت بأسلحة الشرطة، أو بتقصير من رجالها في حماية من كانوا أصحابها، دعونا نبحث عن أي صوت ينادي بإقالة وزير الداخلية.
اقرأ أيضًا:
طارق عباس: علاقة سما المصري بـ”الأدمن الحيحان”! (+18)
طارق عباس: معتز “إوعوا تروحوا في أي حتة”.. راح هُوّ!
طارق عباس: رسائل السيسي “المشفّرة”