استعد .. فأنت الآن على موعد مع “شَرْبَة”، ليست من النوع كريه الطعم أو الرائحة والتي تسبب مزيداً من “مَوَعَان النفس” للمريض، وإنما “شربة” أعدَّها لنا د/ أحمد خالد توفيق من خلاصة كتابات ومقالات في عدد من الصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية، لعلها تهدي القاريء للتفرقة بين ما هو علمي، أو نصف علمي، أو شبيه بالعلم، أو لاعلمي ..
كتاب “شَرْبَة الحاج داوود”، عرض فيه لنا الكاتب الطبيب تاريخ الطب في اكتشاف عدد من الأمراض، والتدرج في اكتشاف الفيروسات أو البكتريا المسببة لها، شرح لنا عن معنى الفرع المسمَّى”طب المناطق الحارة- وهو تخصص الدكتور أحمد خالد توفيق” التخصص الذي يكتب أصحابه على لافتات عياداتهم في مصر “مختص أمراض الكبد والحُميَّات” ، وكيف كان للاستعمار البريطاني الفضل في اكتشاف تلك الأمراض المتوطنة على يد علمائه وأطبائه، بالرغم أن نيته في البداية كانت الحفاظ على جنوده من الأوبئة، واستعباد شعوب قوية منتجة خالية من الأمراض، إلَّا أن العالم كله اليوم يعيش في مأمن من تلك الأمراض الفتَّاكة ..
نرشح لك-عمر طاهر .. أكان لابد أن تكتب إذاعة الأغاني؟
وصف لنا عقيدة بعض الأطباء (اخلق مرضاً لا وجود له ثم عالج المريض منه)، إذ يوهم الطبيبُ المريضَ بأنه “صاحب عَيَا” ويرهقهه في دوامة من التحاليل والفحوصات، ثم يعطيه الدواء وفي النهاية يقنعه بأنه تماثل للشفاء، وشرح لنا عن عشاق الأدوية وصاحب “متلازمة منخاوزن” وهو المتمارض مدمن المستشفيات، كما حدَّثنا عن “نظرية الميازما” إذ كان الاعتقاد السائد في القِدَم أن المرض ناجم عن العفن والنباتات المتحللة التي تنتقل عندما تهب الرياح على الماء، بل والاعتقاد الذي سيطر على البعض بأن الطاعون كان ينتقل عبر عيون المرضى مما جعل المحيطين بهم يعصبون أعينهم !
شرح لنا كيف أن الإنسان كائن وهن، ينتصر عليه كائن لا يُرى بأقوى المجاهر، ويستطيع أن يتركه جثة هامدة، حدَّثنا عن شراسة الفيروسات وكيفية تطويرها لنفسها دون توقف، فاللقاحات التي تصدت لها بالأمس عجزت عن مكافحتها اليوم وستعجز في ذلك غداً، وعدَّد لنا مجموعة من الفيروسات النزفية وعن فترات الحضانة وطرق الإصابة وكيفية العدوى وشكل الأعراض، وعدم وجود لقاح فعَّأل لأغلب أنواع الحمى في مراحلها المتأخرة، تحدَّث في خمسة فصول متتالية عن النصب في الطب والعلاج الزائف بالأعشاب والأوزون والأنزيمات والحمام وتحت الهرم حتى وصل إلى النصب بـ”جهاز الكفتة” المزعوم في فصل عنونه بـ “شربة الحاج داود” نفس اسم الكتاب، وكيف أنه منذ قرون طويلة استخدمت الجيوش جثث قتلى الطاعون كسلاح بيولوجي في حرب بدائية بيولوجية أودت بحياة الملايين !
نرشح لك-هالة منير بدير تكتب: أزْهَرِيٌّ بَوَّابًا لِلْحَانَة
بالرغم أن أغلب الكِتَاب شمل مقالات علمية عن تاريخ الطب، إلا أنه في فصله الأول عن ما ذكره من موقف من سيرته الذاتية كان بِلَغة سلسة استطاع من خلالها تجسيد صورة للمكان دون تعقيد أو إطالة، واهتم بسرد مشاكل المجتمع المصري في قالب كوميدي تخيلي عن وفاة “فيروس كورونا” الذي قدم إلى مصر غازياً ظانَّاً أن تكدس البشر فيها سيكون خير معين له في إقامة مستوطنة وبائية، إلا أن أزمة المرور وعوادم السيارات ودخان السجائر أودى بـ “الفيروس” للخضوع إلى جلسات استنشاق، وعندما حاول الهروب اعترض طريقه “فيروس C” البلطجي وأخذه مقص حرامية وطالبه بإتاوة، وعندما حاول الاحتماء في أعلى الجهاز الهضمي للمصريين فوجيء باللبن المخلوط بالسيراميك، واللحم منتهي الصلاحية، والزيتون المطلي ورنيش، والجبن المحفوظ بالفورمالين ..
شمل الكتاب باباً بعنوان “بعيداً عن الطب” ، وبالرغم أني لم أستسغه شخصياً وأحسسته دخيلاً على الأجواء الطبية التي غمرني بها في الأجزاء الأولى من الكتاب، إلَّا أن الطابع العلمي لم يُفارق تلك المقالات أيضاً في حديثه عن برامج التجسس واختراق الشبكات وسرقة المعلومات على الإنترنت، وما أن فرحت بِوَصْلة “نوستالجيا” في حديثه عن جهاز الفيديو وأيام تأجير شرائط الفيديو إلا أنه سرعان ما أدخلني في دوامة من أنواع عدسات السينما وكاميرات التصوير وتقنيات العرض والنظارات ثلاثية الأبعاد، إلَّا أن الفصل الأول من ذلك الباب والذي حمل عنوان “أنت وقطة شرودنجر” أكثر ما لمس قلبي في حديثه عن نقاط التفرع الجوهرية التي تقود كل إنسان إلى منعطفات جديدة في حياته، ولكنه سرعان ما أدخلنا من جديد في الأجواء الطبية عبر باب “فتنة انفلونزا الخنازير” بمجموعة من مقالات ترسم كم الرعب إبَّان انتشار أخبار ذلك المرض ..
لاحظت أن بعض العبارات أو الفقرات تكررت في أكثر من مقال، ولكن لا ضير من هذا فنحن لسنا بصدد رواية متواترة الأحداث، وإنما عدد من مقالات تتكلم في مجالٍ واحد وترصد مشاكل في دائرة مفرغة تتكرر بعينها كل حين، الدكتور أحمد خالد توفيق ذو الكلام الطبي العلمي صاحب الخيال القصصي استطاع أن يسلط الضوء على أن العلم والتعليم الجيد هو الحل السحري لكسر تلك الدائرة المفرغة التي تحوم فيها المشاكل في مصر وتتفاقم حد الكوارث، وكيف أن مهنة التدريس في منزلة مقدَّمة على كافة المِهن الأخرى، مؤكداً على وجوب تنمية العقلية النقدية للبحث عن الدليل والإثبات لكل ما يُعرض علينا، وأن الإعلام المضلل بكافة وسائله هو المسؤول عن انتشار وباء من التخلف العقلي.