نقلاً عن موقع “الحياة”
خلال شهرين… يظهر وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في مقابلة في أحد تلفزيونات أوروبا. ويجري حواراً في صحيفة سيارة في أفريقيا. ويقيم 3 ندوات حوارية في أميركا الشمالية، ويُستضاف كمتحدث رئيس في منتديين فكريين في أقصى الأرض شرقاً، ويلتقي نُخباً ثقافية وإعلامية في ثلاث مناسبات في أقصى الأرض غرباً.
ثم ينشر وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف مقالة في «نيويورك تايمز» قبل خمسة أيام فيصيح الصائحون هنا: أين نحن من كل هذا وكيف يفعل ظريف ما لم نفعله نحن؟
يرد الجبير بمقالة رزينة في صحيفة «وول ستريت جورنال» فيصيح الصائحون أنفسهم: لماذا لا نبادر بالفعل؟ لماذا كل ما نفعل يدور في منطقة رد الفعل؟
طيب… لنأخذ المشهد من زاوية أخرى. تفوز قناة «إم بي سي» بالمركز الأول كأكثر قناة تلفزيونية مطلوبة في البيوت العربية من عمان وحتى المغرب. وتأتي صحيفتا «الحياة» و«الشرق الأوسط» كخيار ثان لكل مواطن عربي بعد صحيفته المحلية المفضلة. وتغطي قناة «العربية» و«سكاي نيوز عربية» و«الجزيرة» (التي تدعم حاليّاً نصف وجهة النظر السعودية خارجياً) معظم فضاء طالبي الأخبار العرب. تمتد الشبكة الإعلامية السعودية عبر الصحاري العربية حاملة الخبر السعودي المتوازن والعميق، فيصيح الصائحون الذين ذكرتهم أعلاه: لكن هذه القنوات لا تمثلنا! هذه القنوات تهدم ولا تبني! انظر كيف تسهم في تدمير القيم!
في الحالة الأولى… حال المطالبة بالفعل قبل رد الفعل، يركز الصائحون أنظارهم طوال الوقت على ما يبثه الإعلام الإيراني عبر قنواته العربية التي لا يشاهدها إلا بضع مئات من المشاهدين، ولا تقع أعينهم أبداً على ما تفعله الدبلوماسية السعودية. يرون النصف المظلم فقط من القمر، ويبنون مواقفهم وفقاً لذلك. ترتفع المقاومة في أذهانهم بشكل متدرج، حتى إذا ظهر جزء من هذا الإعلام في فضاء عالمي، انفجروا وراحوا يسطّرون معلقات اللوم والتوبيخ! مشكلتهم ليست في سيطرة الإعلام الإيراني. مشكلتهم الحقيقية تكمن في خضوعهم غير المشروط لإعلام ضعيف يفتقد إلى الاحترافية والصدقية في الوقت نفسه! المشكلة ليست في قوة الإعلام الإيراني. المشكلة في ضعفهم.
أما في الحالة الثانية، فيريد الصائحون أن تكون لغة «إم بي سي» و«العربية» و«سكاي نيوز» و«الحياة» و«الشرق الأوسط» نسخة مكررة من لغة القنوات التي يحبونها: صوت حاد ووجهات نظر متطرفة. هم في الحقيقة على خلاف مع هذه الوسائل الإخبارية لأن خطها الإعلامي يتعارض مع ما يؤمنون به، لكنهم لا يستطيعون أن يقولوا إنهم يهاجمونها لهذا السبب، لذلك يلجأون إلى الحيلة القديمة التي تقول إذا أردت أن تصطاد النجوم فصوّب بندقيتك ناحية القمر. لا يستطيعون أن يقولوا للناس قاطعوها لأنها تحمل توجهاً غير توجهنا، لكنهم يستطيعون أن يحصلوا على النتيجة نفسها عندما يشككون في وطنيتها ويتهمونها بالضعف والتخاذل! مشكلة هؤلاء ليست في حرصهم أن تكون المنظومة التي تضم هذه الوسائل الإعلامية جيدة. مشكلتهم الحقيقية تكمن في أنهم لا يريدونها أن تكون جيدة!
حسناً… تخلصت في أول المقالة من الصائحين الذين يقفون ضد الإعلام السعودي إما بسبب الفوبيا التي يحملونها في عقولهم أو بسبب أجندة خفية لا يجرأون على إعلانها. والآن لننظر إلى الطرف الثالث في قضية هذه المقالة. وهم الفئة المحايدة التي تأخذ وتعطي، وترضى وتغضب، وتقر وتنكر، وتمدح وتلوم!
الإعلام السعودي يغطي الفضاء العربي، ووصوله يتجاوز الإعلام الإيراني بمرات كثيرة، لكن على رغم ذلك ما زال تأثيره لا يتناسب مع حجم انتشاره! فأين الخلل؟
أولاً… علينا أن نعي أن إعلامنا جزء منا. هو في الواقع يمثل متوسط قدراتنا. هو تماماً مثل اقتصادنا، مثل التزامنا بأنظمة المرور، في مستوى منتخبنا الوطني لكرة القدم. علينا أن ننظر بمنظار الحقيقة ولا نعطي ما نملك من قدرات أكبر من حجمها.
ثانياً… ينبغي أن نفرق بين وصول الإعلام ومحتوى الإعلام نفسه. علينا أن ندرك الفرق بين وسيلة الإعلام وما تحمله هذه الوسيلة! «إم بي سي» مثلاً موجودة في كل بيت عربي، لكن هل الجزء الأكبر من مادتها سعودي؟ هل مسلسلاتها سعودية؟ هل برامجها الفنية سعودية؟ هل برامجها الوثائقية سعودية؟ هل تحمل محتوى ثقافياً سعودياً مطلوباً في البيوت العربية؟ عندما كان الإعلام المصري مؤثراً في زمن مضى، كانت مادته مصرية بالكامل فماذا عن قنواتنا الإعلامية التي تصل للجميع مثلما كانت تصل وسائل الإعلام المصرية للجميع قبل عقود! هل مشكلتنا في الإعلام ذاته أم في أجهزة الثقافة ومنصات الفن ومنظمات الفكر التي ليس لديها منتج على الأرض يمكن تسويقه.
«إم بي سي» و«روتانا» وغيرها من القنوات السعودية العابرة للحدود مؤثرة بأداتها لكنها بحاجة إلى منصات فكرية وثقافية وفنية فاعلة في البلاد من أجل الوصول الكامل لتغطية عربية مصاحبة بتأثير إيجابي عن السعودية. المشكلة ليست مشكلتها بقدر ما هي مشكلة الفقر في الموارد اللازمة للتأثير.
الخبر في الإعلام السعودي قادر اليوم على الوصول إلى أقصى نقطة في البلاد العربية. هذه حقيقة لا يمكن إنكارها، لكن ما زلنا نرغب في ما هو أكثر من ذلك. ما زلنا نتمنى أن يكون هذا الخبر مصاحباً بأسلوب حياة كاملة وليس فقط خبراً مكوناً من بضعة أحرف وكلمات! هو مؤثر الآن بالفعل ولو جزئياً، ولطالما أصابت أخبارنا خصومنا في المنطقة بالولولة، لكن تأثيره سيكون مضاعفاً عشرات المرات عندما يكون مسنوداً بالحياة الفاعلة داخل السعودية. إعلامنا الموجه للخارج يتناسب مع موقعنا على الخريطة… هذا صحيح، لكنه فقط يحتاج إلى يد من خارج دوائر الإعلام تسنده وتحمل عنه بعض هواجس الوحدة!