نقلاً عن البوابة
سواء كان وجود صلة تربط مجموعة قنوات مزمع انطلاقها قريبا-انطلقت إحدى قنواتها مؤخرا- بجهات سيادية حقيقة أم أنها مجرد تكهنات، وهو أمرا لا يمس المهنية التى يرجو المتابع لكل التحولات الجارية على الساحة الإعلامية التقاطها على شاشات هذه الباقة الوافدة حديثا إلى عالم الفضائيات، أزمة الإعلام، بالتأكيد، لن تحقق انفراجة عبر السخرية «اللزجة» التى يروج لها مؤخرا بعض ممن «أنعم» الله عليهم بقدر هائل من المراهقة السياسية والمتاجرة بكل وأى شيء، والموجهة نحو كل الجهود التى تقوم بها أى مؤسسة وطنية، سواء الجيش أو الجهات السيادية التى يظل أبطالها محرومين من أى بادرة تحمل مظاهر التقدير على التضحيات التى قدموها للوطن، أو حتى أن نترحم على أرواحهم حين يستشهدون إلاّ بعد مرور ما يتجاوز عقودا حين يُكشف عن ملفات هذه البطولات، ونتعرف على أصحاب الفضل فى إنجازها، كما سمعت مرارا من المبدع الراحل صالح مرسى الذى أكد لى أن جميع الأعمال التى ظهرت للعلن عن بطولات هذه الجهات السيادية، أتيح له الاطلاع على بعض تفاصيل ملفاتها بعد إغلاقها ومرور عشرات السنين عليها.
واقع حال الإعلام المصرى حاليا يؤكد شدة احتياجه إلى وجود جهة منضبطة تعيد التوازن المهنى المطلوب بعد خروج المعادلة التى تحكم أى إعلام (المال- المهنية) عن حدود السيطرة. اللهاث خلف نسب المشاهدة العالية، والسباق المحموم على الإعلانات، دفع أغلب منابر الإعلام- المقروء أو المرئي- إلى التورط فى أن تصبح «جهة نقل» تساعد على انتشار الكثير من المعلومات المزيفة والشائعات التى لا تنقطع كتائب «عصابة البنا» الإلكترونية عن ترويج سمومها، اعتمادًا على أن نسبة لا يُستهان بها من المزاج العام للشعب المصرى تعتمد على ثقافة «السمع» بدلا من التقصى عن حقيقة المعلومة، أو على «سوق» وسائل التواصل على الإنترنت التى تختلط بها البضائع الرديئة والجيدة. رغم هذا فشل رهان «العصابة» مؤخرا حين دفعت أصواتها «النشاز» إلى التطاول بوقاحة على مكانة الجيش المصرى، بل الأخطر دأبهم على محاولة إشعال حرائق تستهدف النسيج الواحد للشعب المصرى وافتعال حدود شيطانية بين ما هو مدنى أو عسكرى، لكن الصفعة غالبا ما ترتد إلى الوجوه القبيحة، مؤكدة توحد كل الأصوات المصرية- حتى التى تضع نفسها فى خندق المعارضة- مع هذه المؤسسات الوطنية.
الإعلام المنضبط الذى ينتظره المشاهد من هذه القنوات، يجعل القائمين عليها أمام تحدى عدم ظهور هذه الباقة كمجرد نسخة مكررة أو عدد يُضاف إلى الفضائيات الحالية، كما لا يستدعى بالتأكيد هاجس القيود على حرية التعبير، رغم تحفظ بعض الآراء على أن هذه الحرية تُمارَس دون إطار عام يحكم عمل المنابر الإعلامية، على الأقل حتى فى حشد الرأى العام بما يدعم مصر وهى تجتاز أزماتها، خصوصا أن الهدف لا يقتصر على حدود مصر الجغرافية وتمتد تبعاته، بحكم الأحداث المتوالية، لتشمل خريطة المنطقة العربية. الانضباط المهنى يقترن بمتابعة وشفافية طرح الحقائق، ليس فقط على نطاق المشاهد المصرى، فأغلب القنوات حاليا تكتفى بهذا الدور، حتى أصبحت مجرد أصوات تخاطب بعضها البعض. التحدى الإعلامى أمام هذه القنوات يكمن فى كسر هذا الحاجز والخروج إلى مخاطبة المشاهد سواء فى الدول العربية، خصوصا أن الشأن المصرى يحتل مساحة كبيرة من اهتمام المواطن العربى، فى المقابل تظل أزمة مخاطبة الرأى العام الغربى والأمريكى قضية تفرقت دماؤها بين القبائل! الهيئة العامة للاستعلامات ترفض الاستيقاظ من غفوة القيود الروتينية والتصدى لسيل من تقارير صادرة عن الإعلام الغربى تفتقد الموضوعية والواقعية، كما يتحمل إعلامنا قدرا من المسئولية، بالإضافة إلى تقاعس الإعلام الغربى عن نشر بعض محاولات توضيح الحقائق، أيضا المكاتب الإعلامية فى أمريكا ودول أوروبا ما زال تحركها محدودا مقارنة بالمحاولات الخبيثة التى تمارس بهدف إفشال تجربة استعادة مصر توازنها الاقتصادى بعدما قطعت أشواطا ناجحة فى محاربة إرهاب «عصابة البنا» وجماعاته على اختلاف مسمياتها.
السنوات الخمس الماضية من عمر التجربة الإعلامية أكدت عدة حقائق.. أولها أن البكاء على اللبن المسكوب لم يخدم قضية مصر، ولا أضافت لها الطبول الجوفاء التى تتبارى من منابر الداخل أو الخارج- فى تصدير كل ما هو سلبى ومظلم عن مصر، ثانيا، سيطرة رأس المال فقط على الإعلام لم تحقق المهنية ولا الدور الوطنى الذى عكس قوة الإعلام المصرى خلال الستينيات فى تنوير الرأى العام داخل مصر أو مخاطبة العالم، رغم الإمكانيات المحدودة آنذاك، وعدم وجود مساحات التواصل الهائلة عبر الأقمار الصناعية، ثالثا التدخل المباشر سواء من مؤسسة الرئاسة أو الحكومة من شأنه إثارة تحفظات وهواجس لدى البعض حول إشكالية القيود على حرية التعبير. أمام إجماع الآراء على الفوضى الإعلامية، واستمرار القوانين والتشريعات الخاصة بالإعلام بين شد وجذب الأطراف المعنية لا يبدو فى الأفق السريع والحاضر سوى حل استلهام الجدية والانضباط من جهات رفعت اسم مصر عاليا عبر تاريخها بناء على هذه المقومات، حتى لا تفقد مصر أحد أهم الأسلحة، أو السيناريو الأخطر، أن تتحول هذه القوة المؤثرة فى غمار الفوضى إلى سلاح ضدها.