إسراء عدلي
كانت الفنانة نادية لطفي في رحلة إلى لندن عندما تلقت خبر وفاة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، ففي تمام الثانية صباحا، أيقظها المحامي لبيب معوض، الذي كان موجودًا في لندن في ذلك الوقت، ونقل لها الخبر المؤسف.
عقب أيام قليلة من الوفاة، أرادت لطفي أن تُعبر عما بداخلها تجاه الزعيم، وتوضح كيف تلقت خبر الوفاة، وكيف شعرت في لندن وكأنها في القاهرة وسط ملايين المصريين، من شدة الحزن الذي خيم على المواطنين العرب هناك، حتى أن المسيرات المشيعة لناصر في لندن شارك فيها الإنجليز ممن قدروا دور ناصر العربي والعالمي.
وفيما يلي مقال نشرته مجلة “الكواكب” في عددها رقم 1003 الصادر بتاريخ 20 أكتوبر 1970، تحت عنوان “منتصف الليل في لندن ومكالمة بصوت لم أعرفه!“، وفيما يلي نص المقال:
“كنت قد وصلت إلى لندن مع زوجي في زيارة قصيرة منذ يومين فقط والتقينا هناك بالصديق المحامي لبيب معوض وفي ليلة مشئومة تركنا لبيب في حوالي الواحدة والنصف صباحا ولم تمر نصف ساعة وإذا بالتليفون يدق في حجرتنا وكان المتحدث هو لبيب معوض واعتقدت انه قد نسي شيئا يريد تذكيري به ومع أن صوت لبيب له طابع معين مميز أعرفه من أول وهلة إلا أن صوته في هذه اللحظة قد تلون وأصابته حشرجة وأصبح همسا لا يكاد يسمع وظننت أن لبيب مرض فجأة ويريد مساعدتنا فرحت أصرخ فيه “مالك يا لبيب فيه إيه إتكلم”، وكانت هذه الصرخات قد أعطته شجاعة مؤقتة فقال لي “البقية في حياتكم الرئيس جمال مات”، لم أستطع أن أسمع منه أكثر من ذلك وألقيت بالسماعة وأنا في ذهول لا تخرج من فمي كلمة واحدة وتلقف زوجي السماعة وراح يستفسر من لبيب عن الخبر الذي نزل علينا نزول الصاعقة!
بدأنا ندير مؤشر الراديو على جميع محطات العالم حتى ازداد تأكدنا من صحة الخبر المفجع وظللنا حتى الصباح نترقب افتتاح مكاتب شركات الطيران لنعود على أول طائرة إلى القاهرة وفي شوارع لندن كان الناس يتقاطرون على محلات وأكشاك بيع الجرائد التي خرجت جميعها وعلى صفحاتها الأولى “الخبر الحزين” الذي هز أرجاء العالم لأن عبد الناصر كما قالت جميع الصحف والمجلات الإنجليزية ليس رئيسا مصريا فحسب بل هو أبرز قادة العالم العربي ومن ألمع الزعماء والساسة الذين شهدهم القرن العشرون ومن اقطاب دول العالم الثالث التي أصبح لها وزن في ميزان القوي الدولية.
وعلى الرغم من أنني كنت على بعد مئات الأميال من القاهرة وأتلهف على العودة بأسرع ما يمكن للمشاركة في هذا الحدث الجلل إلا أنني في لحظات كثيرة كنت أحس أنني في القاهرة بين أهلي ومواطني فكل من عرف الخبر وتأكد منه أصيب بوجوم وحزن شديدين وكانت الكآبة محفورة على وجوه كل من التقيت بهم ودموع الحزن والأسى تنهمر بغزارة من العيون.
فالجميع كانو يقدرون شخصية “ناصر” ويتحدثون بثقة عن الأعمال الخالدة التي حققها لشعبه وأمته العربية ولكثير من شعوب آسيا وأفريقيا وينعون فيه الزعيم الفذ العملاق وما المسيرات التي شهدتها شوارع لندن واشترك فيها مئات من العرب والإنجليز وغيرهم من الجنسيات المختلفة والأعداد الغفيرة التي توجهت إلى دار السفارة المصرية في لندن للتعزية في الفقيد العظيم إلا دليل قاطع على ما كان لجمال عبد الناصر من ثقل وتقدير في جميع انحاء العالم.