عزيزي القارئ، قبل أن تبدأ في الاطلاع على “الكلمتين القادمتين”، أرجوك أن تتفهم إني لست أكتب هذا المقال لرفقاء الميدان، ولا لمطالبين بالقصاص أو تطهير مؤسسات الدولة، بل أكتب للإخوة في الجهات السيادية، لرأس الدولة ومؤيدينه وكل من يرفع شعار “أفرم يا ريس” .. لذلك إن وجدت نبرتي أكثر عقلانية وهدوء من المتوقع، فأعلم إن ذلك بحثا عن حلول، عن أرضية مشتركة توقف نزيف الدم وتقرب المسافات بين فصائل الشعب المتناحرة.
المهم، وهو مهم جدا، أريد أن أطرح على سيادتكم سؤال بسيط؟ كم من مواطن برئ قُتل برصاص الداخلية خلال الأعوام الأربعة الماضية؟ في الحقيقة لا أعرف الرقم، لكني أظن إني لو عدت إلى وزارة الداخلية وأحكام القضاء وغيرها من المصادر الرسمية، ستكون الإجابة “صفر”، فلا أظن إن الداخلية قد اعترفت أو أدانها القضاء خلال الأعوام الأربعة الماضية. هل تجد حضرتك أن هذا الرقم منطقي؟ وقبل أن تجيب تذكر عدد القتلى، تذكر عدد الفيديوهات الموثقة لضباط ورجال الشرطة وهم يطلقون النار على المواطنين الموجودة على شبكة الإنترنت .. ألا يوجد احتمال 1% إن مواطن مسالم لا يحمل سلاحا قد تعرض للقتل على طريق الخطأ وسط عشرات الآلاف من الأعيرة النارية أُطلقت تجاه التجمهرات وأثناء الاشتباكات؟ اذا اتفقت معي إن الرقم “صفر” لا يبدو منطقيا، فهل تستطيع أن تفسره دون أن تشير بأصبع الاتهام إلى الداخلية ومؤسسات العدالة (مثل الطب الشرعي) .. أشك!
كل يوم نسمع مقارنات في الإعلام الخاص المملوك ضمنيا للدولة، حول مقارنة الأداء الأمني للشرطة المصرية مقارنة بمثيلتها في الدول الغربية المتأمرة علينا، ألا يسقط قتلى على سبيل الخطأ في تلك الدول .. إذا كنتم مقتنعون بأن تلك الدول تمارس القمع والوحشية أكثر مما تمارس داخليتنا لتحمي أمنها القومي، لماذا لا يسقط لدينا قتلى على سبيل الخطأ مثلما يحدث عشرات المرات في تلك الدول .. لماذا دائما أداء مؤسستنا يستحق جائزة الطالب المثالي بالرغم من إننا جميعا نعرف إنه ليس كما ندعي.
هل تعرف بما يذكرني الوضع، بطلبة الثانوية العامة، من يحصلون على 98%، وهم وأسرهم ومعلمينهم وحتى وزير التعليم نفسه، يدرك أن هذا الرقم لا يعني في الأغلب أكثر من أن الطالب قد حفظ المناهج و”دشها” في الامتحان .. لكننا نحب أن نضحك على أنفسنا، أن ندعي أننا نمتلك نظام تعليم محترم، وأن لدينا عقول قادرة على أن تحقق نتائج مبهرة، مع إننا نعلم أن هذا الطالب قد يرسب في العام الأول من الجامعة لإنه في حقيقة الأمر لم ولن يتعلم شىء في مدارسنا .. بنفس الطريقة تخرج النتيجة “صفر”، لم تقتل الداخلية “شيماء الصباغ” ولا كريستي ولا الجندي ولا مئات الأشخاص قبلهم وبعضهم، قتلهم المتأمرون على مصر، بالرغم من إن نجاح المتأمرون كل مرة في قتل المواطنين في وجود الشرطة يعتبر تقصيرا منها يجب محاسبة المسؤولون عنه .. لكننا نعلم أن المسؤول في هذا التوقيت كل ما هو مطلوب منهم أن يرددوا نفس الجملة: “ما عندناش خرطوش .. ده غاز ومطاطي من اللى بيلسع ده”.
في الأمس قُتل شاب يدعي أحمد مصطفي الشهير بزوؤلة، دي جي يشارك مع نجوم المهرجانات “سادات” و”فيفتي”، ولا ينتمي بالتأكيد لتنظيم الإخوان، قتل برصاصة أمام منزله على سبيل الخطأ وسط الاشتباكات التي وقعت بين الداخلية وبعض عناصر الإخوان في حي المطرية. وبعد أن ذهبت أسرته لاستلام الجثة وتقرير المستشفى – وللمرة المئة بعد الألف العاشرة – رفضت المستشفى تسليم الجثة دون أن يوافق أهل الفقيد على أن يكتب في التقرير أنه انتحر ولم يموت برصاص الداخلية.. السؤال الآن، من أعطى المستشفى تلك التعليمات، أم إننا أمام منظومة فساد تعمل تلقائيا لتحافظ على الرقم “صفر”، لتحافظ على يد الداخلية نظيفا من دماء المواطنين حتى لو كانت الحادثة قتل غير مقصود، سيكون عقوبته مخففة نظرا لظروف الاشتباكات وسيعطي الكثير من المواطنين ثقة في منظومة العدالة.
لا أعرف، هل يبدو قليلا من العدالة في مصر أمرا مستحيلا، أم سيبقى رصيد العدالة “صفر” .. ذلك الرقم المفضل للداخلية.
اقرأ أيضًا:
كريم الدجوي: السبكي وفيفي ومحمد رمضان.. واللي مالهمش دية!
كريم الدجوي: بورما وتشارلي إبدو وعلي جمعة!