بداية وقبل أي مناقشات اتفق معك أن إهدار سنوات من عمرك في دراسة تأثير السراويل البوليستر أو القطن على حياة الفئران الجنسية قد يكون مثيرا للسخرية.
وهو البحث الذي تسبب في تلقي الجراح المصري أحمد شفيق المتوفي في 2007 الأمر المسمى “أيج نوبل” أو نوبل التي تمنح للأبحاث عديمة المضمون والفائدة، عندما أصدر ورقة بحثية في 1993 كان مضمونها أن الفئران التي ترتدي السراويل المصنوعة من البوليستر تكون أقل في النشاط الجنسي من التي ترتدي السراويل المصنوعة من القطن أو الصوف أو التي لا ترتديها من الأساس.
وأن تصريحات الشخص المسؤول عن هذا الأمر تبدو أكثر منطقية عندما قال “لم نجد شخصا مطلقا آخر قضى وقتا يدرس بعناية ما يحدث جنسيا للفئران إذا البستها سراويل”
ولكن برؤية أخرى للأمر ستجد أن هذا الشخص هو مثل مديرك الذي تسبه دائما لأنه محبط ويقلل من أفكارك ويسفه من أرائك ويعتبرك بلا قيمة.
ستجده مثل المسؤول الذي تنتقده لأنه يقول لك على الطريق الذي يجب أن تسلكه وينتقد مجهودك ويعتبرك السبب الأساسي في فشل المؤسسة أو الشركة أو الدولة.
ستجده مثل محاكم التفتيش الرومانية. والكنيسة التي رفضت مجرد طرح جاليليو لفكرة أن الأرض ليست مركز الكون وأن مركزية الشمس هي الأصح والأرض مجرد جرم يدور في فلكها واتهمته بالهرطقة لأن ذلك يناقض أفكار الفيلسوف أرسطو وتفسيرهم للكتب المقدسة آنذاك.
أتصور أن أحد قضاة محاكم التفتيش وقتها أيضا جلس ينظر لجاليليو عند المحاكمة ويقول له: “لم نجد شخصا آخر قضى وقتا يدرس بعناية إن كانت الشمس هي مركز الكون”.
الأزمة الأساسية ليست الدفاع عن أشخاص، ولكن ما هذا الإحباط والحكم على الأبحاث من وجهة نظرك وكأن شخصا كلفك بتقييم أفكار الآخرين والتفتيش عن مدى الفائدة من جهدهم.
هذا الأمر المسمى بـ”إيج نويل” والذي يتم وصم بعض العلماء أو الباحثين به سنويا محبط ويشبه محاكم التفتيش فكريا، الفارق فقط أنه لا يطبق الإقامات الجبرية عليهم.
وبالمناسبة في مجال الإدراك تلقى ثنائي ياباني “إيج نوبل” أيضا هذا العام عن بحث “كيف تبدو الأشياء مختلفة حين ينحني الشخص وينظر لها من بين ساقيه”.
أتخيل بعد عشرات السنين وأحفاد المسؤولين عن “إيج نوبل” وهم يتابعون اكتشاف جهاز يجعل الأشخاص لا تنحني مثلا مستندة للبحث الياباني، أو مجموعة علماء تنقذ نوع من الحيوانات مهدد بالانقراض بأن تلبسهم سراويلا من الصوف مزودة بأمور أخرى.
ملاحظة أخيرة: أظن أن شيء كهذا لا يمكن صياغة الخبر عليه بـ”حصل فلان على كذا” الحصول في اللغة يعبر عن الفوز والاستحواذ والربح والإدراك وكلها معاني بعيدة عن هذا الموضوع.
نرشح لك-شريف عبد القادر يكتب: تغيرات على جسد الإعلام الإلكتروني العربي