نقلاً عن “المصري اليوم”
فى الأسبوع الماضى، وقع التليفزيون المصرى فى خطأ فادح جديد ضمن سلسلة أخطائه التى لا تنتهى، حين أذاع حواراً للرئيس السيسى تم إجراؤه قبل عام على أنه حوار جديد أُجرى للتو.
إنها فضيحة كبرى بكل المقاييس؛ إذ يخفق تليفزيون الدولة فى النهوض بالحد الأدنى من الواجبات الملقاة على عاتقه، والتى تبرر وجوده، خصوصاً أن ذلك الخطأ لم يكن الأول من نوعه خلال فترة قصيرة.
فعلى مدى أقل من عام، ارتكب التليفزيون عدداً من الأخطاء المشابهة فى محاولاته لتغطية الشؤون الرئاسية؛ إذ تورط فى عرض الجزء الثانى من حوار مع الرئيس قبل أن يعرض الجزء الأول فى يونيو الماضى.
كما أورد اسم الرئيس على شريط الأخبار، فى يوليو الماضى، محذوفاً منه الحرف الأخير، الأمر الذى اعتبره كثيرون بمنزلة إهانة لمقام الرئاسة.
والواقع أن هذه الأخطاء تحظى باهتمام كبير، على الرغم من أن ثمة أخطاء جوهرية أخرى تُرتكب يومياً من دون أن يلتفت إليها أحد.
فى تعليقها على ذلك الخطأ الفاضح، كتبت المذيعة شهيرة أمين، على صفحتها على موقع «فيس بوك»، وفق ما نقلت مواقع إلكترونية عدة، ما يلى: «هذا الموقف فكرنى بمؤتمر شرم الشيخ فى عهد مبارك، عندما ذهبت للأمير تشارلز اللى كان حاضر المؤتمر، وطلبت منه أنى أسجل معه لقاء، ووافق، وهو أمر نادر جداً أن يعطى أحد أفراد الأسرة الملكية حديثاً تلفزيونياً من دون موعد مسبق». وأضافت المذيعة، التى عملت بالتليفزيون المصرى سابقاً: «ذهبت للمصور، وطلبت منه أن يجهز الكاميرا لهذا السبق، وكان عندنا حوالى ثلث الساعة نجهز فيها.. وعندما أنهى الأمير كلمته توجهت إليه بالكاميرا، وسألت سؤالى، فبدأ يجاوب بكل حماس.. وإذا بى أُفاجئ بالمصور يقول (ستوب).. سألته ماذا بك؟ قال لا أعلم.. الكاميرا مش بتدور.. ثم فتح الكاميرا وقال آه نسيت أضع شريطاً.. الأمير تشارلز قال (وات؟ نو تيب؟ مافيش شريط؟ اكسكيوز مى).. ومشى وسابنى.. وأتذكر أن هذا المصور لم يُعاقب، بل أنا من تعرض للمساءلة، عشان تعصبت عليه».
إذا كان ما نُسب لتلك الزميلة صحيحاً، وأظنه كذلك، فإن الصورة تتضح أمامنا عن طبيعة العمل فى «ماسبيرو»، ومستوى الأداء، وحجم الأخطاء التى يمكن أن تقع كل دقيقة، ليس الآن فقط، ولكن منذ أيام مبارك.
سيمكننا أن نُسود مئات الصفحات عن الأسباب التى أدت بـ «ماسبيرو» إلى أن يصل إلى هذا الوضع الذى بات فيه، وسيمكننا أيضاً أن نذمه، ونجلد العاملين فيه، وأن نعايره بديونه، وفساده، وهدره، وخسائره، وتراجع أهميته، وانصراف الناس عنه.
لكن هذا كله لا يخدم الحقيقة، ولا يخدم الوطن فى الوقت ذاته.
الحقيقة أن «ماسبيرو» وصل إلى ما وصل إليه عبر عقود من التوظيف السياسى من قبل سلطات فاسدة متدنية الكفاءة، كانت تهتم فقط بالوظيفة الدعائية لهذا الكيان العملاق، على حساب القيم المهنية والمعايير الإدارية الرشيدة.
والحقيقة أيضاً أن «ماسبيرو» يُترك الآن من دون رؤية للإصلاح، ولا خطة للعمل، ولا موارد حقيقية.
إن إصلاح «ماسبيرو» يبدأ من خارجه وليس من داخله، كما أن هذا الإصلاح عمل من أعمال السياسة وليس الإعلام، وهو مسؤولية مشتركة للسلطتين التنفيذية والتشريعية بشكل أساسى، كما يتحمل العاملون والجماعة الإعلامية والمجتمع المدنى والجمهور والنخب جانباً أدبياً من المسؤولية عن هذا الإصلاح أيضاً.
أفادت دراسة أجراها اتحاد الإذاعات الأوروبية، على 25 دولة، ونشرتها «الجارديان»، فى أغسطس الماضى، أن «البلدان التى لديها إعلام عمومى جيد أقل ميلاً للتطرف والفساد، وأكثر إقبالاً على المشاركة فى الانتخابات».
وفى دراسة أخرى أجراها مركز بحوث السياسة والاقتصاد الأمريكى، فى ديسمبر 2015، وجد الباحثون أن «المواطنين فى أى دولة يكونون أكثر معرفة بالأحداث الجارية إذا شاهدوا الخدمة العامة الإخبارية»، كما أثبتت الدراسة أن «وسائل الإعلام العامة أكثر فعالية فى توطيد المواطنة مقارنة بالإعلام الخاص».
يوجد توافق كبير بين الخبراء والباحثين من شتى أنحاء العالم على أن التليفزيون والإذاعة العموميين ضروريان لبناء الديمقراطية وتعزيز المشاركة وتوطيد الانتماء وموازنة أنماط الأداء الإعلامى عبر الإعلام الخاص، التى تقع غالباً تحت ضغوط الاعتبارات التجارية أو توجهات أصحابها ومصالحهم.
يجب أن نحاسب «ماسبيرو» إذا أخطأ، وأن يتحمل المسؤولون عن الخطأ نتائج أخطائهم، لكن لا يجب ذبحه أو تصفيته والقضاء عليه.
إصلاح «ماسبيرو» مسؤولية الدولة، وعليها أن تبدأ الآن فى إعلان رؤيتها لمستقبله.