زينب حاوي – نقلًا عن الأخبار اللبنانية
كيف تعمل هذه المنابر؟ وهل تغربل ما تنقله عن الإعلام الصهيوني؟ وما هي المعايير المهنية المتبعة؟ وهل تختلف القنوات والصحف في ما بينها حول التعاطي مع هذا الملف؟ أسئلة كثيرة طرحناها على مطابخ التحرير وأهل الاختصاص، مع استعراض أبرز الزلات والأخطاء التي وقعت فيها بعض المؤسسات، مروّجة بذلك ــ من حيث تدري أو لا تدري ــ للكيان العبري. «زلات» كثرت في الآونة الأخيرة مع التحولات والفوضى التي استفحلت في العالم العربي
منذ النكسة (1967)، مروراً باجتياح إسرائيل للبنان في (يونيو) 1982، وصولاً الى حرب يوليو 2006، أو ما سمّي بــ «حرب لبنان الثانية»، وما تلاها بعد خمس سنوات من تحوّلات خضت المشهد العربي الذي استحال خراباً ودماء، ترّبص العدّو الصهيوني بهذا المشهد، متفرجاً لسقوط مصطلح «الصراع العربي – الإسرائيلي »، وتحوّله الى «الصراع العربي – العربي» أو «العربي – الفارسي».
إزاء هذه المتغيرات والتحولات الكبرى في المنطقة، وتغييب فلسطين عن الخريطة والاهتمام الإعلامي، ومع المحاولات الحثيثة لتلميع صورة إسرائيل، يبرز الإعلام العبري اليوم أكثر من أي وقت مضى… صوت إسرائيل من داخل فلسطين المحتلّة، تفاعل مع كل هذه التغيرات، وباتت أصداؤه تتردد أكثر في لبنان، وبعضهم يحاول إرجاعه إلى الزمن الأول أي بدايات الاهتمام العربي بهذا الإعلام الصهيوني، ونقله كاملاً بمحتواه الترويجي والدعائي. كلنا يتذكر تسمّر صور الدبابات الإسرائيلية على شاشة lbci في حرب تموز قبل عشر سنوات، ترويجاً وتهويلاً، والقول بأن الجنود الصهاينة يستعدون لدخول الأراضي اللبنانية، وبدء مرحلة الغزو البري، في آب (أغسطس) من العام نفسه. بعد وضع الحرب أوزارها، بدأت وسائل الإعلام الصهيونية الترويج لهزيمة لبنان، وأرفقت دعايتها بمجموعة ذرائع بنت عليها للتغطية على هزيمة كيانها. بدأ الحديث من داخل فلسطين المحتلة عن حجم الدمار الكبير الذي أصاب لبنان وبنيته التحتية، والأعداد الهائلة من الضحايا التي سقطت في الحرب. كلام ما لبث أن تردد صداه على بعض الشاشات اللبنانية وعلى ألسنة ساسة وصحافيين معروفين، رغم الإقرار بالفشل والهزيمة لاحقاً على ألسنة كبار قادة الحرب في الكيان الصهيوني.
هكذا، تحوّل بعض وسائل الإعلام اللبنانية إلى أبواق للإعلام العبري بسذاجة أو عن سوء نية، مخالفةً بذلك القانون الإعلامي الذي يجرّم الترويج والتعامل مع العدّو الإسرائيلي. لم تخفّ هذه الآفة مع الوقت، بل إنّها استفحلت اليوم، ولبست لبوساً مختلفاً، مع الأجواء التي تسود المنطقة العربية والذهاب باتجاه التطبيع العلني والصريح مع إسرائيل. ومع هذه التحوّلات في صناعة مادة الإعلام العبري في الإعلام اللبناني اليوم، وخطورة استخدامه كمطية لضرب الأطراف الداخلية لا سيما المقاومة، يبرز على الضفة الأخرى، إعلام ذو وجهة مختلفة يعتمد على ما يدور إعلامياً في الكيان، على قاعدة «اعرف عدّوك»، التي يمارسها ما يمكن أن نسميه «الإعلام الملتزم» أو «الإعلام المقاوم» بعيداً عن أي اتهامات للمغرضين بأن وجود هذا النوع من النقل والتحليل قد يدخل في خانة التطبيع، بل إنّ حسن استخدام مادته وتسخيرها لأهداف وطنية عملٌ يوازي في بعض الأماكن الحرب الميدانية التي تخوضها المقاومة في وجه إسرائيل.
لعلّ المثال الأبرز هنا، خروج ما بات يسمى بـ «الإعلام الحربي» قبل عام التحرير (2000) ونشره فيديوات قصيرة كانت تصوّر العمليات العسكرية في جنوب لبنان المحتل وقتها. في دقائق قليلة، كانت تلك الفيديوهات تهز الكيان الصهيوني لما كان لها الوقع الأبرز على نفوس الصهاينة ساسة ومجتمعاً، في تصوير هزيمتهم والخسائر التي يمنون بها. هذه الشرائط التي كانت «المنار» تبثّها، كانت بمثابة الذراع الإعلامية الموازية للعسكرية، وأسهمت بشكل مباشر في اندحار الاحتلال. كيف تعمل هذه المؤسسات في لبنان؟ وكيف تصنع وتغربل ما ينقله الإعلام الصهيوني؟ وما هي المعايير المهنية المتبعة؟ هل تختلف القنوات في ما بينها بخصوص التعاطي مع هذا الملف بين المعالجة على قاعدة الواقعية السياسية وآراء أخرى، تصرّ على التذكير بمفاتيح أساسية في النشر والحفاظ على مصطلحات تنبه إلى أن إسرائيل كيان مغتصب لفلسطين، وأن الأخيرة أرض عربية؟
بداية، ينقسم الإعلام العبري كما هو معروف إلى جانبين: خارجي وداخلي. الأول يتوجه إلى الجمهور العربي تحديداً، متخذاً طابعاً دعائياً ترويجياً يعتمد على بث الأكاذيب وصناعة صورة ناصعة لإسرائيل، بلغات مختلفة منها العربية والإنكليزية والفرنسية. أما الثاني، وهو الأهم، فيتوجه حصراً إلى «المجتمع الإسرائيلي» الذي يعتمد حوالى 99% منه على مضامين هذا الإعلام ويتخذه مصدراً موثوقاً بلغة عبرية.
هذا الإعلام يتمتع بشفافية ومصداقية أعلى كونه يعكس الأزمات التي تعصف بالكيان ومختلف صراعاته ومشاكله. هذا الميدان سيكون محطّ اهتمام الإعلام اللبناني، لكن تبقى كيفية التعامل معه وتوجيه بوصلته. عن بدايات الاهتمام بالإعلام العبري، يخبرنا محرر الشؤون العبرية في صحيفة «السفير»، حلمي موسى، أن تاريخ هذا الاهتمام يعود إلى عام النكسة (1967). كان الاعتماد وقتذاك على ما ينقله الإعلام الخارجي باللغة العربية الذي يتسم ــ كما أسلفنا ــ بطابع دعائي موجه ومدروس. وفي هذه المرحلة، تصاعد الاهتمام باللغة العبرية، لكن ذلك اقتصر على بعض المتخصصين والنخب. تغيرت المعطيات اليوم مع طفرة الترجمات، وتخصيص مساحات إعلامية خبرية وتحليلية لهذا الإعلام، وعدم خجل بعضهم من تصدر خرائطه اسم «إسرائيل» بدلاً من فلسطين، وذهاب الإعلام الملتزم في معركة فكرية معرفية لتعريف اللبنانيين والعرب على حقيقة هذا الكيان، ونقل ما يتخبط به من أزمات.
بين هاتين الضفتين، يتنقل بنا هذا المبحث، محاولين الإضاءة على مطابخ صناعة الإعلام العبري في لبنان، وعلى المعايير والمحاذير الواجب إتخاذها في نقل ما يدور في الكيان الصهيوني، بخاصة مع الاتجاه إلى استخدام الإعلام العبري واللعب بمضامينه بغية تحقيق أهداف سياسية ضيقة. هذا ما يلفت إليه الزميل يحيى دبوق في تحويل هذا الإعلام إلى «وسيلة قتالية في المواجهة البينية بين الأطراف في لبنان». يخبرنا دبوق عن «اجتزاء المواقف والتصريحات والتحليلات الإسرائيلية وإخراجها من سياقها». ويوضح أنّ هذه الظاهرة أصبحت «الأكثر حضوراً في الإعلام اللبناني في السنوات الأخيرة». مسألة التطبيع أصبحت من الماضي ــ بحسب دبوق ــ وبات الحديث اليوم يتركز على «مدى تماهي بعض وسائل الإعلام اللبنانية» مع إسرائيل، و«التبرع بالدفاع عنها، عبر تحوير الأخبار بل فبركتها كي لا تضرّ بالعدو». في هذه النقطة، وفي ظل التشتت العربي، يرى حلمي موسى أن العداء لإسرائيل بدأ يتراجع «ليحل مكانه العداء للآخر». بعد الغزو العراقي للكويت مثلاً، بتنا نسمع ــ وفق موسى ــ بأنّ «العراق أشدّ خطراً من إسرائيل». وفي ظل تصاعد الصراع الفلسطيني –الفلسطيني بين «فتح» و«حماس»، صارت «إسرائيل أرحم». موسى صاحب الباع الطويل في كتابة وتحرير ومتابعة الشؤون الإسرائيلية، يؤكد على تحوّل الاهتمام بالإعلام العبري من «موقع المشبوه إلى موقع المعتَمد من دون تمحيص» وأنّ «العربي في صراعاته مع أخيه لم يتورع عن تزوير هذا الإعلام». ولعل الأمر الذي يعزز هذه النظرية، إجراء إسرائيل استطلاعاً للرأي داخل السعودية العام الماضي، سائلة: «مَن هو العدو؟»، ليأتي الجواب في الدرجة الأولى: إيران، وبعدها «إسرائيل». هذا الأمر إن دلّ على شيء فإنه بالطبع يأخذنا إلى أهمية الدعاية التي تبثها دول الخليج، وتحييد «إسرائيل» عن كونها العدّو الأول والأوحد للعرب.
تقارير يومية في «المنار»
في قناة «المنار»، صورة وصوت المقاومة في لبنان، تولى حسن حجازي دفة إدارة ملف الإعلام العبري داخلها منذ 15 عاماً، أي منذ خروجه من المعتقل الإسرائيلي، ليبدأ مسيرة مهنية تستكمل اهتمامه بما كان يدور في الكيان العبري من وراء القضبان، وتنقل إعلامه بعين مهنية عالية. عين إعلامية بكل ما للكلمة من معنى، عندما نجد أن «المنار» تحرص حرصاً كاملاً في نقلها للأخبار من فلسطين المحتلة، على توسّل الموضوعية. وهذا ما تميّزت به قناة المقاومة طيلة هذه السنوات، كما يخبرنا حجازي، حتى في أقصى لحظات الحرب، و«شرعية» استخدام البروباغندا. في حرب تموز على سبيل المثال، كانت «المنار» تحرص على التأكد من الأخبار وتقاطعها بمصادر عدة قبل نشرها. وفي ما يخص عدد الجنود الصهاينة القتلى أيضاً، كانت القناة تعرض الأرقام كما يوردها الإعلام العبري من دون زيادة ولا نقصان، بخلاف الإعلام الإسرائيلي الذي يصنع الأكاذيب والفبركات، لكن سرعان ما كان يكشف هذا الزيف.
وليست متابعة الصهاينة لخطابات الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله، سوى رد على ما تبثه هذه الوسائل، ووضع ثقة عالية بما يقوله السيد. هذه المهنية والموضوعية في التعاطي مع العدو ووسائل إعلامه، لا يمكن أن تجرّ ما يسمى بـ «الحيادية». فالتعاطي مع المواد الإعلامية العبرية، يوجب التعاطي معها بطريقة مختلفة عبر إعادة قراءتها لما يسمى «بالإعلام المجنّد»، أي ذاك الخاضع مباشرة للسلطة العسكرية في «إسرائيل». وعادة ما تستخدم هذه المؤسسة الإعلام لإيصال رسائل معينة، وأحياناً تورد أخباراً يكون هدفها غير معلن، بخاصة مع علمها بأنها محط مراقبة ورصد من قبل الإعلام اللبناني، فتمرر رسائل عدة، كالترويج للمناورات العسكرية الصهيونية التي تسعى طبعاً الى بث حرب نفسية موجهة.
يتركز العمل في القسم العبري في «المنار» على رصد يومي وعلى مدى 24 ساعة للقنوات والمواقع الإلكترونية العبرية. يتولى فريق متخصص هذا الرصد، كما يشرح لنا حجازي، ويتكئ بشكل كبير على نشرات الأخبار المسائية. يتم اختيار المادة تبعاً لأهميتها، ففلسطين تقع في سلّم هذه الأولويات، وما يخص المقاومة والعمل العسكري داخلها. تصنع هذه المواد على شاكلة تقارير يومية تبثها النشرات الإخبارية في المحطة. إلى جانب هذه التقارير، تخصص «المنار» برنامج «عين على العدو»، ليعطي مساحة تحليلية أكثر، مع مختصين ومحللين في الشأن العبري.
«الميادين» تكشف حقيقة الكيان
المتابعة الحثيثة للإعلام العبري على «المنار»، ينسحب أيضاً على قناة «الميادين»، حيث يرصد فريق عمل القسم العبري داخلها، ما يبثه هذا الإعلام. خلال عملها في هذا المضمار، تتجنّب قناة «الواقع كما هو»، الدخول في الإعلام الموجه، بمعنى استخدام المادة العبرية لصناعة بروباغندا، وبث أيديولوجيا محددة. تأخذ المادة العبرية، ويصار إلى إعادة صياغتها بما يتناسب مع سياسة القناة. الاتكاء الأساسي هنا، يكمن في الجانب المعرفي، أي في مدى تقديم مادة للجمهور العربي يستفيد منها وتضيف شيئاً إلى ثقافته عن هذا العدو. مجموعة التقارير الإخبارية التي تبث في نشرات الأخبار، تحرص على تضّمن كل تقرير فكرة وهدفاً معينين، من دون أن تقع المحطة في فخ أن تكون أداة ترويجية في الحرب النفسية.
قبل أشهر قليلة، أسدل برنامج «خلف الجدار» ستارته، بعد أربع سنوات من العرض على شاشة «الميادين». البرنامج شكل «قفزة نوعية في الإعلام العربي»، كما توصفه مقدمته الإعلامية لانا مدّور. سار البرنامج على خطى الخطوط العريضة لهذه الشاشة، متكئاً على الجانب المعرفي أيضاً، في إيراد الأخبار وتحليلها. لذا «كان هناك تعمدّ الإتيان بضيوف هم أقرب إلى إعطاء المعلومة منه إلى تغليبهم لخطاب أيديولوجي أو دعائي» بحسب مدوّر. ومن الضيوف الدائمين على البرنامج، المتخصص في الشؤون العبرية عباس إسماعيل، الذي يلفت في اتصال مع «الأخبار»، إلى مساهمة «خلف الجدار»، في تعريف المشاهد العربي على «إسرائيل» بسلبياتها و«إيجابياتها»، ليكون بمثابة «قراءة للواقع»، مع إعادة صياغة لما تبثه «إسرائيل»، من دون الوقوع في فخ أن تكون هذه الشاشة «مطيّة» لرسائل والحرب النفسية للكيان العبري، عبر ممارسة خطاب نقدي تفكيكي.
تكمن أهمية هذا البرنامج في تعريف الجمهور العربي على «حقيقة الكيان الإسرائيلي»، وتناول مشاكله في السياسة والاجتماع داخلياً. لعلّ النقطة البارزة في «خلف الجدار»، إضاءته على فلسطينيّي الداخل، ومحاولة نقل معاناتهم مع الاحتلال، وإسقاط أي أحكام قد تأبلسهم أو تمارس عليهم عنصرية. خلال حصاد أربع سنوات، تلخص المحطة الأسبوعية التلفزيونية، بأنها استطاعت خلق مقاربة «واقعية لإسرائيل» بجدية عالية. ومن أهم أسباب انتصار المقاومة، تقول مدّور «أنها تعاملت بجدية ومعرفة مع إسرائيل».
«الجديد» تصوّب على العدو الحقيقي
بعد وضع حرب تموز أوزارها، خرجت على قناة «الجديد»، نشرة صغيرة، تطل على الواقع «الإسرائيلي»، كانت تقدمها وقتها ريّا رمال. وفي عام 2007، قررت إدارة المحطة استكمال وتوسيع هذه النشرة لتصبح بعد مرور تسع سنوات برنامج «اعرف عدّوك». أوكل البرنامج الأسبوعي إلى كلارا جحا، التي استطاعت في غضون هذه السنوات، التأقلم مع مواد جديدة عليها، وتثبيت نفسها اليوم في تقديم هذا البرنامج.
30 دقيقة مدة «اعرف عدّوك» الذي يبث ظهر كل أحد. رغم هذا التوقيت «الميت» نسبياً، إلا أن البرنامج ــ بحسب جحا ــ استطاع أن يطال شرائح جماهيرية واسعة عربية وغربية، وتعويد الجمهور اللبناني على الاهتمام بالإعلام العبري بطريقة سلسة، كي تصل إلى مختلف الأطياف اللبنانية. صناعة مواد هذا البرنامج تنقلت بداية بين استضافة محللين في الشأن العبري، وبث تقارير مختلفة تتعلق بالأمن والسياسة والاجتماع. اليوم، يعمد «اعرف عدوك» على التركيز على تراث وحضارة فلسطين المحتلة، من إعادة إنعاش الذاكرة حول قرى ومدن فلسطينية يحاول الاحتلال طمسها ومحوها. في البدايات، كان الأسير السابق أنور ياسين يتولى ترجمة ما يرد من الإعلام العبري. اليوم، وعلى مدى أسبوع قبل الحلقة، يتم رصد هذا الإعلام عبر الاتكاء على الترجمات وعلى المواقع الفلسطينية الإلكترونية أيضاً.
في القسم العبري في صحيفة «الأخبار»، أسيران سابقان لدى الاحتلال الإسرائيلي: علي حيدر، ومحمد بدير، يعملان إلى جانب الزميل يحيى دبوق. هذه الخلفية تدعّم بلا شك طريقة عمل ومتابعة الإعلام العبري. تحرص «الأخبار» على إعطاء جرعة تحليلية معمقة للقضايا السياسية والأمنية في «إسرائيل»، كما يشرح لنا الزميل محمد بدير، إلى جانب الإضاءة على جوانب اجتماعية وإعلامية أيضاً، داخل الكيان، بخاصة مع تحديد هذا الإعلام، كونه «مشبعاً بالسياسة» وذا منسوب عال منها، في النشرات الإخبارية وبرامج «التوك شو». يتكئ العمل في القسم العبري في «الأخبار» على متابعة وتحليل الإعلام العبري الداخلي، إلى جانب الاستعانة بمراكز الأبحاث الاستراتيجية: في القراءة والفرز، وانتقاء المناسب منه.
في اللغة والأسلوب
من خلال استصراخنا للعاملين في متابعة الإعلام العبري، برزت وجهتا نظر متناقضتين، في ما خصّ الأسلوب واللغة الإعلامية المستخدمة. «الميادين» تحرص على استخدام التعابير كما هي بحرفيتها، من دون تحريف كأن تستخدم عبارة «إسرائيل»، من دون حتى مزدوجين. هذا الأمر خلّف العديد من الانتقادات في البدايات. كذلك، تنقل الألقاب نفسها كأن يقال «وزير الأمن الإسرائيلي»، لا وزير الحرب. هذا المنحى في التعاطي مع الملف العبري، يعود ــ كما تشرح لنا مدّور ــ إلى النظرة إلى «إسرائيل» بواقعية وككيان سياسي قائم، ويهدف إلى «مخاطبة العقول لا الغرائز». هذا المسار لا يرى طريقه إلى «الجديد»، التي تحرص على استخدام مصطلحات تعممها على باقي برامجها ونشراتها الإخبارية. تقول لنا كلارا جحا بأنّها تحرص في برنامجها على إسقاط مصطلح «إسرائيل»، واستبداله بـ «الأراضي المحتلة»، أو «فلسطين المحتلة». كذلك لا يعاد نقل ألقاب الشخصيات الصهيونية كما هي، بل يقال مثلاً وزير الحرب عن «وزير الأمن».
وبين هاتين النظرتين المختلفتين، تقع «الأخبار» بين الضفتين، في حرص التحرير داخلها على استخدام مصطلحات الاحتلال، وفلسطين المحتلة، من دون «الوقوع في الخطاب الخشبي»، والحماسي والأيديولوجي أيضاً بحسب بدير.
في القانون
قانونياً، يفنّد لنا المحامي طوني مخايل، أماكن حظر التعامل والترويج للعدّو الصهيوني بدءاً من أحكام المقاطعة التي أقرتها جامعة الدول العربية عام 1951، والتزمت بها كل الدول العربية على مختلف المستويات، عبر مكاتبها الإقليمية للمقاطعة العربية لإسرائيل، مروراً بلبنان الذي أقرّ بدوره هذه الأحكام في حزيران (يونيو) 1955 عبر قانون صدر في ذاك الحين، ومرسوم أيضاً (1963). تولت هذا الشأن وزارة الاقتصاد والتجارة، التي أنيطت بها مهام جمع المعلومات الضرورية واقتراح الإجراءات الواجب اتخاذها وتنفيذ المقررات، مع التنسيق مع المكتب الرئيسي للمقاطعة (دمشق) وباقي المكاتب الإقليمية.
حظر «قانون مقاطعة إسرائيل» التعامل التجاري والمالي مع العدو، مع كل مندرجاته من دخول وإتجار بالسلع والتعامل مع المصارف، وقطاعات السياحة والخدمات وكذلك الفنون والثقافة والإعلام، وتصل عقوبات خرق هذا الحظر إلى الأشغال الشاقة من 3 إلى 10 سنوات، وبالغرامة. وتتولى هذه العقوبات المحكمة العسكرية في لبنان.
في لبنان الذي يلتّف العديد من المخالفين لأحكام قوانينه المتعلقة بالعدو الصهيوني، يرى مخايل أن الخلل يكمن في اعتبار القانون ما تقدمه مثلاً بعض وسائل الإعلام يندرج ضمن العمل الصحافي وإعطاء المعلومات للجمهور، من دون التدقيق في مضامين هذه الأخبار. في هذه النقطة، يذكرنا المحامي الشاب بأحكام المادة السابعة والبند 7 من قانون البث التلفزيوني والإذاعي (1994)، إذ تنص المادة على «التزام المؤسسة عدم بث كل ما من شأنه أن يؤدي إلى ترويج العلاقة مع العدّو الصهيوني». كما نصّ البند السابع على وجوب تطبيق وسائل الإعلام المرئية والمسموعة «القوانين العامة بما لا يتعارض مع أحكام هذا القانون». وهذا يعني انسحاب قانون مقاطعة إسرائيل على هذه الوسائل أيضاً.
تهويل وبروباغندا
في تموز (يوليو) الماضي، اشتعل الجدل محلياً بسبب السلسلة الوثائقية التي بثتها «الميادين» بعنوان «2006» (إعداد وإخراج عباس فنيش)، إذ أنّ السلسلة استطاعت الوصول إلى أعلى قادة صهاينة وانتزعت منهم اعترافات بالهزيمة خلال عدوان تموز. توزع الجدل بين اعتبار هذا العمل مشروعاً كونه أنتج عبر شركة إعلامية وسيطة (الصحافي الإيطالي ميكيله موني) وبين اتهامه بالتطبيع. وفي حديث سابق معنا (الأخبار 11-8-2016)، نفى فنيش بشكل قاطع ما أشيع عن عملية خداع للأشخاص الذين عمل معهم لإجراء هذه اللقاءات. في هذا الحديث أيضاً، كان لافتاً حرص الصحافي اللبناني ـــ عندما ظهر أحد الجنود الصهاينة الذي نجا من كمين المقاومة حين أسرت الجنديين في تموز 2006 ــ على «فلترة» أقواله وعدم الانجرار إلى عرض ما يقوله بشكل كامل، حرصاً على عدم الدخول في لعبة الاستعطاف. هنا، ضبط صاحب السلسلة إيقاع مضامين المقابلات كي لا ينزلق إلى «أنسنة» العدو، فيما تمعن باقي وسائل الإعلام المرئية والإلكترونية في تحويل منابرها إلى أذرع إعلامية للعدو. لعلّ المثال الساطع في هذا المجال، تقرير lbci (آمال شحادة) الذي بثته قبل عامين، من قاعدة «رامات دافيد» العسكرية. التقرير أتى ترويجياً مستعرضاً قوة «إسرائيل» العسكرية في وجه «تهريب الأسلحة من سوريا إلى حزب الله».
عام 2012، ظهر على mtv مراراً إعلان ترويجي للعملية العدوانية التي شنتها إسرائيل على غزة، وتبنت القناة تسمية العدو لهذه العملية «عمود السحاب». على صدارة قناة المرّ، كان يقف مراسلها مجدي الحلبي الذي خدم في الجيش الإسرائيلي ليكون بدوره بوقاً للعدو. نستذكر أيضاً في عدوان غزة 2012 كيف طمأن الحلبي المشاهدين بأن «القبة الحديدية الصهيونية استطاعت صدّ صواريخ حماس». وفي العام نفسه، بثت mtv تقريراً أيضاً ترّوج فيه «لمساع إسرائيلية لتعقب عناصر حزب الله حول العالم»، وحضر في التقرير ميخائيل فيدلافسكي الخبير في «معهد شاليم للأبحاث الاستراتيجية».
هذا على الشاشة، أما في الفضاء الإلكتروني، فيبرز موقع «المدن» الممّول قطرياً في هذا المجال، خصوصاً كتابات سامي خليفة، التي تحولت مساحة ترويجية تهويلية لإسرائيل. في تاريخ 10 آب (أغسطس) الماضي، أخبرنا خليفة عن استعدادات الجيش الإسرائيلي لـ «حرب لبنان الثالثة»، متحدثاً عن بعدها التكنولوجي واختبار الأسلحة. بعد ثلاثة أيام، نشر خليفة مقالته تحت عنوان «الحرب المقبلة ستكون ضد الدولة اللبنانية». كما نقل النقاش الدائر في «إسرائيل» حول نشوب الحرب ضد الدولة أو ضد الحزب. كما لم ينفك الكاتب في الترويج للصناعة العسكرية الإسرائيلية وآخرها الترويج لميركافا 4 «انتقاماً من حرب تموز».