نهى عاشور
ساعة.. ستون دقيقة لا أكثر أحتاجها من وقتك سيادة الرئيس، فلتعتبرها استطرادًا في خطاب، أو “قعدة إفطار مع البسطاء”، أنا أثق أن الزيارة لن تطول عن ساعة خاصة وأن الطريق سيكون خاليًا من أي زحام بفضل الموكب الرئاسي، ورغبة صادقة مني في عدم الإزعاج فأتمنى من حضرتك أن تختار بنفسك أي “سوبر ماركت” قريب و”مش هنختلفت”.
في زحام الدعوة فاتني أن أعرفك بنفسي، فأنا صحفية شابة متزوجة منذ نحو العامين وأربي طفلًا لم يتم عامًا من عمره، وبحكم الشغلانة -اللي أنا واخدة منها أجازة رعاية طفل سنة بالمناسبة- فقد قرأت تصريحكم الأخير بأن “أحد أسباب ارتفاع أسعار السلع خلال الفترة الراهنة هو زيادة المرتبات في أجهزة الدولة والمعاشات دون أن يقابلها زيادة في حجم السلع المعروضة”.
وفي حال موافقة حضرتك على الرحلة القصيرة لـ”السوبر ماركت” فهناك بعض الأمور التي أريد أن أوضحها لسيادتك..
أولًا: أنا لا أريد أن أخبرك عن دخل أسرتنا الشهري الذي نتقاضاه على أقساط ودفعات منذ أكثر من عامين -وهذا هو حال غالبية الصحفيين “اللي هما جزء من منظومة الإعلام اللي حضرتك بتعتبرها مش واقفة جنبك”-، ولن أشغل بالك بأن آخر ما دخل جيوبنا كان جزءا من الراتب الشهري قبل عيد الأضحى بأكثر من أسبوع، فكل تلك الأمور تدخل ضمن بند المناخ التشاؤمي.
ثانيا: أرجوك لا تطلق يا سيادة الرئيس لازمتك المعتادة “مايصحش كده” عندما أتوقف أمام السوبر ماركت وأرفض الدخول قبل أن أبحث بجنون -دون الالتفات إلى أي شيء آخر- عن الكتيب الصغير المدون فيه أحدث عروض التخفيضات على السلع الغذائية، ومع احترامي لمقام الرئاسة الرفيع فأرجوك ألا تبدي ضيقك عندما تجدني أذاكر بضمير متناه- معملتهاش في ثانوية عامة وحياة ابني- في فروق عروض الأسعار بين منتجيْن متماثليْن، للفوز بفارق يدور حول جنيه واحد او اثنين على الأكثر، وفي النهاية أحسم الجدل الداخلي بشراء المنتج الأقل سعرا، وليس بالضرورة الأفضل خامة أو كفاءة.
ثالثاُ: أرجو منك ألا تظنني شخصية مترددة غير محددة الأهداف، عندما تراني أطلب من البائع ربع كيلو جبنة رومي وعلبة براميلي، ثم أتراجع عن شراء الرومي لأن الميزانية كدا هتخرم، ومن فضلك لا تعتقد أنني بخيلة لرفضي دعوات زوجي مرارا وتكرارًا لشراء طبق بيض للفطور أو العشاء من أقرب مكان لمنزلنا، لأن كل الحكاية هي أنني لمحت بنظري من بعيد أن طبق البيض بـ30 جنيه بعد أن تكرم أصحاب السوبر ماركت، وخفضوا سعره في كتيب العروض بعد أن كان 32 جنيه، صحيح أن الأمل كان يراودني أن أجد طبق البيض بسعر أقل، لكن الأمل تلاشى بعد بحث طويل.
وإذا كانت الشروط السابقة -على أساس إن الشرط نور- متانسبة مع حضرتك فأرجوك أن تضيف إليها ملاحظة أن ما يعتبره أصدقائي أني شخصية رزينة هادئة نسبيا لم يتغير، بغض النظر عما يبدو على وجهي من احتقان واحمرار، وما يعقبه من ترديدي لكلمات غير مفهومة لمن حولي، فضلًا عن العمليات الحسابية الافتراضية على أصابعي، ستجدني أنا وعموم زبائن السوبر ماركت ننط ونصارع بعضنا بعضًا للفوز بعرض لا يُعوض لكيس الأرز الخمسة كيلو الذي يباع بـ31 جنيه بعد أن وصل سعر الكيلو قبل هذا العرض العظيم الوفير إلى 10 جنيه للكيلو، وشخصيًا فقد حاولت أن أحافظ على آخر حبة أرز كنت قد خزنتها في دولابي عندما كان سعر الكيلو 5 جنيهات فقط، لكن صمودي لم يلبث طويلا وإرادة الله تحققت وخلصت آخر حبة رز، واضطريت إلى شراء الكيلو بـ 10 جنيهات.
الدموع التي قد تراها في عيني خلال زيارة السوبر ماركت ليست دليلا على أنني إمرأة تعشق النكد كما يروج الرجل المصري عن الزوجة المصرية الأصيلة، لكنها هذه المرة دموع الفرح بعد أن “لحقت” آخر عبوة حفاضات لطفلي الرضيع والتي وصل سعرها مؤخرا إلى 75 جنيه، قبل أن يرتفع سعرها ثانية أكثر من ذلك بعد تطبيق “ضريبة القيمة المضافة”.
لا أريد أن أطيل على سيادتك أكثر من ذلك، فربما تكتشف بنفسك أمورا أخرى أثناء الرحلة أو عند نقطة الوصول لـ”الكاشير”، وهي مرحلة “الوحش” بلغة بتوع الفيديو جيم والأتاري، التي لا أضمن فيها أي رد فعل لنفسي، بعدما أراجع الفاتورة والتي تتجاوز في الغالب كل زيارة سابقة للسوبر ماركت، وغالبًا تكون بأكثر من مائتي جنيه، هكذا ببساطة ندفع هذا المبلغ في شراء “شوية حاجات” بسيطة للغاية، لا تدخل فيها والعياذ بالله أمور مثل شراء لحم أو فراخ أو سمن أو زيت أو خضار أو فاكهة.
يا ريس كنت أتمني نتقابل في ظروف أحسن من دي بس للأسف مستلزمات البيت كتير والسوبر ماركت مليان، بس قسط المرتب لسه موصلش، والأسعار تضاعفت واضطريت أقلل قائمة المشتريات، وكان نفسي أعزمك على الغدا بس للأسف الميزانية لا تسمح.