محمد يوسف يكتب: صاحب المحل !!!

واقع غاية في الصعوبة بات مفروضاً على الإعلام المصري هذه الأيام بسبب حالة الارتباك والتخبط التي يلاحظها القاصي قبل الداني .. فمع تنامي ظاهرة احتكار رأس المال ، المتمثل في رجال الأعمال ، لأغلب وسائل الإعلام سواء صحف أو مواقع إخبارية بصفة عامة أو على الفضائيات بصفة خاصة .

وهنا وجد إعلاميو مصر أنفسهم في مواجهة تحد خطير يتمثل في محاولة ما يمكن تسميته “مسك العصا من المنتصف” بحيث يقدموا مضموناً إعلامياً مهنياً وفي نفس الوقت يرضي مالك الفضائية أو الوسيلة الإعلامية أياً كانت .

لكن بمرور الوقت وضغوط رجال الأعمال تحول كثير من الإعلاميين ، إن لم يكن جميعهم ، إلى محاولة إرضاء “صاحب المحل” على طريقة “اربط الحمار مكان ما يقول لك صاحبه” وهنا كانت الطامة الكبرى التي أفرزت في النهاية ظهور ما يعرف بـ “غرفة صناعة الإعدام” ، أو الإعلام كما يسمونها حالياً ، والتي تتشكل في الأساس من ملاك القنوات الفضائية .

ومع الغاء وزارة الإعلام وعدم تشكيل المجلس القومي للإعلام بسبب تأخير ظهور القانون حتي الآن زاد المشهد الإعلامي ارتباكاً فوق ارتباكه خصوصاً في ظل ضعف التليفزيون الرسمي للدولة وعجزه عن المنافسة في ظل سيطرة بعض العقول الإدارية والمهنية التي تنتمي للعصور الوسطى مما دفعه لتسليم الراية لتلك الفضائيات التي يغدق عليها رجال الأعمال أموالاً ضخمة لتشكيل الأجندة الإعلامية وتوجيه الرأي العام للوجهة التي تخدم مصالحهم وترضي قناعاتهم .

الأخطر من ذلك أن هذه “الغرفة” باتت تمارس دور الرقيب علي الصحفيين في تجاهل تام للكيان المؤسسي الذي كان عملاقاً لعهود طويلة والذي تقزم على أيدي الشللية والضعف إلى أدنى درجة .. والدليل على ذلك أن هذه “الغرفة” هي التي تولت مهمة ترشيح كل الصحفيين والإعلاميين المسافرين مع الرئيس عبد الفتاح السيسي في جولاته الخارجية وآخرها لحضور قمة اللاجئين والهجرة التي انعقدت في نيويورك وهذا لمن يعرف تحول خطير لمجريات الأمور لا يمكن الاستسلام له أو السكوت عليه .

وطوال الفترة الماضية حذرنا وما زلنا نحذر من العواقب الوخيمة لظاهرة سيطرة بل احتكار أصحاب المال على وسائل الإعلام بهذه الصورة التي لا تدعو إلى القلق بل الذعر .. فجميع المخاوف التي كنا نخشاها تحققت بفعل سيطرة رجال الأعمال على الرأي العام المتمثل في التحكم فيما يقدم لعيون وعقول المشاهدين ومن ثم التأثير على صانع القرار في كافة المواقع الإدارية والسياسية للدولة .

والتساؤل الجوهري الذي يطرح نفسه في هذه القضية ما هو العمل .. هل يعلن أصحاب مهنة الإعلام الاستسلام ورفع الراية البيضاء أمام هذا الطوفان الجارف الذي يهدد الرسالة الإعلامية ، التي من المفترض أنها مقدسة للإعلام على أساس أنه مرآة المجتمع ، وذلك على طريقة “ادبح يا زكي قدرة يدبح زكي قدرة” أم أننا سنملك أدوات المقاومة والتي تتمثل في التصدي لهذا السيل العارم من تحكم المال في الإعلام .

تساؤل آخر لا يقل أهمية .. هل نعلن وفاة وسائل الإعلام القومية ومن بينها التليفزيون المصري ، على اعتبار أنه وسيلة الإعلام الرسمية للدولة ، أم نظل ندعمها بقبلات الحياة والصدمات الكهربائية على أمل أن يفيق من غيبوبته التي طال أمدها ويدرك أن العالم من حوله يتغير .. وربنا يستر .