نقلاً عن جريدة الفريق
الفضائيات المحلية والعربية تستعين فى الاستوديوهات التحليلية للمباريات الكروية بلاعبين معتزلين أو مدربين معروفين من السابقين والحاليين، بعكس القنوات الغربية التى تعتمد داخل برامجها الرياضية على أسماء ربما لم ترتدِ طوال حياتها «شورت وفانلة» لكنها تعلمت أصول النقد والتوصيف عن طريق الدراسة والمتابعة المستمرة لتطورات الخطط الفنية والإعدادات البدنية فى مدارس كرة القدم العالمية.
بعض المحللين الذين مارسوا اللعبة على مدى سنوات طويلة قد لا يصادف هوى المشاهدين نظرًا لافتقاده كل أساسيات المهنة من فهم ولباقة وحيادية، أما الآخر فينال شهرة عريضة بفضل سلامة تفنيداته وحسن توقعاته التى تحظى بإعجاب المتابعين، فيطالبون بوجوده الدائم على الشاشات بل وينادون أحيانًا بضرورة توليه تدريب أحد الأندية أو المنتخبات، لكن عندما يحدث ذلك نراه ينسى كل أفكاره العبقرية ويرتكب نفس الأخطاء الكارثية التى كان ينتقدها عبر الشاشات التليفزيونية.
رائد عزاز يكتب: التعصب الرياضي
السؤال المحيّر دائمًا وأبدًا هو: لماذا يفشل المحللون الرائعون فى مهمة التدريب؟ الإجابة تلخصها النقاط التالية:
أولاً: مقاييس نجاح المدير الفنى نسبية ولا تخضع فقط للنتائج بل يجب الوضع فى الاعتبار إمكانات وطموحات الفرق التى أشرف عليها كى يكون التقييم موضوعيًّا ومنصفًا. على سبيل المثال هناك مَن يرى أن دييجو سيميونى أخفق مع أتليتيكو مدريد الموسم الماضى، لأنه لم يحقق أية بطولة، فى حين يعتقد آخرون أنه قدم مردودًا جيدًا بعد أن نافس الكبار وواصل المشوار حتى الأدوار النهائية فى كل المسابقات المحلية والقارية، كذلك هيكتور كوبر الذى لم يفُز بأى لقب طوال مسيرته المهنية ومع ذلك حظى بسمعة طيبة أهلته لتولى الإشراف على منتخبنا الوطنى.
ثانيًا: المثل الشعبى يقول: اللى على البر شاطر، وهو ما ينطبق تمامًا على كثير من فلاسفة التحليل الذين يطرحون دومًا أفكارًا تبدو عبقرية من الناحية النظرية، لكنها غير قابلة للتطبيق على أرض الواقع، مثل المطالبة بانتهاج طريقة لعب حديثة قد لا تتوافق مع قدرات عناصر الفريق، أو المناداة بإشراك لاعب معين فى التشكيلة الأساسية دون العلم بمدى جاهزيته لخوض اللقاء. المحللون يتعاملون أحيانًا مع المباريات وكأنها تلعب على جهاز البلاى ستيشين الذى لا توجد به مشكلات فنية أو ضغوط جماهيرية وتدخلات إدارية من شأنها خلق الصعوبات الحقيقية.
ثالثًا: هناك اختلاف جذرى بين الخبير الافتراضى الذى يشرح للجمهور طريقة عمل شىء لن يقوموا بتنفيذه، وبين المدرب الذى يقف على أرض المعركة الكروية يلقن جنوده خطة محددة عليهم الالتزام بها.. الأول لن يحاسبه أحد حتى لو أخطأ على اعتبار أن ما يقوله مجرد وجهة نظر قد يختلف معها البعض أو يتفق، لكن الثانى سيتحمل وزر كل الخطايا التى يرتكبها فريقه حتى لو كانت فردية لا ذنب له فيها. التجارب العملية أثبتت أن المحلل القادر على إقناع جمهور المشاهدين بأفكاره ربما يعجز عن فعل ذلك مع اللاعبين المحترفين الذين يتدربون تحت قيادته.
رابعًا: التحليل يتناول أحداث وقعت بالفعل، أما التدريب فيتعلق بشىء لم يحدث بعد، وشتان الفارق بين الأمرين. الحالة الأولى عبارة عن مشاهدة دقيقة ثم تفكير عميق يعقبه تقييم للأداء وعرض الملاحظات التى قد تكون مقبولة من الناحية الشكلية بغض النظر عن مقدار قيمتها الفعلية، أما الثانية فهى مجرد اجتهاد شخصى يقوم على التوقعات المرئية والحسابات الافتراضية التى قد تصيب أو تخيب. التحليل هو عالم افتراضى موازٍ للتدريب، لكنه فعليًّا لا يمثِّل منه سوى نسبة ضئيلة قد تزيد أو تنقص وَفقًا لمدى حرفية المحلل وقدرته على تقدير المواقف بواقعية.
خامسًا: المحللون يتحدَّثون غالبًا عن عموميات يكررونها بترتيب مختلف من استوديو إلى آخر، مثل أهمية تبادل المراكز وضرورة غلق المساحات أمام الخصوم وحتمية استغلال الكرات العرضية وغيرها من الإكليشيهات المحفوظة، فى حين يركز المدرب على التفاصيل الصغيرة التى تصنع الفارق الفعلى خلال المواجهات الصعبة. الإيطالى مارشيلو ليبى اقتنص لبلاده لقب مونديال 2006 بفضل اعتماده على مهارة لاعبيه فى تنفيذ الضربات الثابتة، والألمانى يواخيم لوف أسقط منتخب البرازيل بالسبعة عن طريق استخدام سلاح الهجمات المرتدة السريعة.
سادسًا: عندما يتبارى شخصان فى لعبة الشطرنج أو الطاولة يكون رفيقهما الثالث الذى يتابع المواجهة من الخارج هو الطرف الأذكى، لأنه يرى بوضوح كل النواقص الموجودة والفرص المتاحة، لكن بمجرد جلوسه على مقعد اللاعب يبدأ فى ارتكاب نفس الأخطاء التى كان يحذر منها زميلَيه. الأمر ذاته ينطبق على مباراة بين مدربين يقوم بتحليلها خبير نظرى من خلال شاشة كبيرة تعرض كل الأحداث من مختلف الزوايا وتعيد اللقطات المثيرة للجدل بالتصوير البطىء الذى يتيح له فرصة الحكم على الأشياء برؤية لا تتوافر للقائدين الموجودين فى قلب الحدث.
الجميع يعلم أن المدير الفنى الناجح ليس لديه وقت للوجود داخل الاستوديوهات التحليلية إلا فى مناسبات نادرة، أما المدرب الذى يتفرَّغ للعمل بها فهو بالتأكيد غير مطلوب من أى فريق بسبب نقص الكفاءة أو كبر السن. هذه القاعدة المعروفة عالميًّا لا تطبق داخل منظومتنا الرياضية المحلية التى تسمح لمدربين متعاقدين مع أندية بالظهور على الفضائيات من أجل تفنيد اللقاءات المقامة بين منافسيهم فى إطار نفس المسابقة!
كنت أتمنى أن تنصلح الحال مع قدوم مجلس إدارة اتحاد الجبلاية الجديد تحت رئاسة خبير اللوائح والنظم هانى أبو ريدة، لكن يبدو أننا نسير من سيئ إلى أسوأ بعد أن شاهدت واحدًا من رؤساء النوادى الحاليين وهو يحلل مباريات الدورى على إحدى القنوات، وتابعت لاعبًا مقيدًا ضمن صفوف فريق وهو يقوم بنفس العمل قبل أن يعلن اعتزاله المفاجئ.. لكِ الله يا مصر.