المسرح يسوده الظلام، إلا من ضوء خافت، صوت صراخ نساء، وضحكات رجال، تبدأ الإضاءة تكشف عن المشهد، نرى طفلة صغيرة تمسك بعصفور وتؤمر بذبحه حتى لا يحلق بعيدًا، حتى لا يتنفس، لا يغرد، وفتاة في العشرين من عمرها مكبلة اليدين والرجلين ومكمَّمة الفم، وموضوعًا على صدرها لافتة “عورة”، وسيدة عجوزًا تجلس في آخر المسرح تمسك بيدها رقم 30 وهو سنّها الحقيقية، وفتاة لا تتجاوز السابعة عشرة من عمرها تمسك بيدها أوراق القبول بالجامعة ويغلق في وجهها الباب المدون عليه “كشف العذرية”.
نرشح لك : نسمة سمير تكتب: ياعزيزي .. كلنا فراجيل
ذلك المشهد قفز أمام عيني بمجرد قراءة خبر مطالبة النائب إلهامي عجينة بتوقيع كشف العذرية على الفتيات شرطًا لقبولهن بالجامعة، وليست تلك المرة الأولى التي يخرج علينا فيها النائب المحترم بتصريحات جنسية تهين المرأة، فقد صرّح من قبل بأنه يجب ختان المرأة لأنها السبب في الزنى، وبمعنى أدق فالمرأة في نظره خطيئة، هل نسي النائب أن مَن أنجبته للحياة هي امرأة ومن تزوجها هي امرأة ومن دونها لن يعرف الرجل الوجود؟
ما زال صراخ الفتيات على المسرح يعلو ويعلو، وهنا تدخل امرأة ترتدى ثوبًا ملكيًّا وتاجًا على هيئة أنثى الأسد، أحقًّا هي؟ نعم هي “إيزيس”، يعمّ الصمت المكان ويدخل خلفها رجال مكبلون استعدادًا للمحاكمة التى ستشهد عليها الأرض، وتحكم فيها السماء، تلتف الفتيات حول إيزيس، توزع عليهن كؤوس مياه مقدَّسة، وتتحول الفتيات فجأة إلى أبهى صورهن، حتى المرأة العجوز تصبح فتاة كاملة الأنوثة، ونرى النائب المحترم خلف قضبان حديدية في انتظار محاكمته.
المرأة قديمًا كانت إلهة تقدَّس، هي الحاكمة والسند والأم والزوجة، هي حامية البيت ورمز العطاء والخصوبة، هي الحياة، منها تبتدى وإليها تعود، دائرة الوجود، خلقها الله قوية بشكل مختلف عن قوة الرجل، قوتها تكمن في ضعفها، كلفها الله مهمة أسمى من التعمير الذى وُكل إلى الرجل، وهي تنشئة الإنسان وإخراجه إلى الحياة، فهي أمانة كبيرة، وقبل أن تتهموا المرأة بالخطيئة ارجموا أنفسكم على خطيئتكم في حقّ مَن منحتكم الحياة.
الحياة بجميع فصولها وضعها الله في روح المرأة، هي دفء الصيف، وحنين الشتاء، وزهر الربيع، ونسيم الخريف، الليل والنهار، الشمس والقمر، النهر والبحر، سواء إيزيس أو مريم العذراء أو زوجات النبي، كانت المرأة دائمًا مكرَّمة تجلس على عرشها، الأرض التي تطرح الثمار، حتى قُسمت الأرض، وتحولت المرأة إلى شخص أدنى من الرجل تصرخ لتطالب بحقِّها في المساواة التي منحها الله لها وسُلبت منها، فتخرج إلى العمل لتمارس حقّها، وهنا يبدأ نبذها ومعاقبتها على ذلك.
تحرُّش.. اغتصاب.. ابْتِزاز.. عنوسة… حتى انتهى الأمر بتصريحات عجينة قائلًا: “مش لازم أي حدّ يزعل من القرار ده، ولو انت زعلان يبقى معناه إنك خايف إن بنتك تكون متجوزة عرفي من وراك”. هل تقبل أستاذ عجينة أن يتم توقيع كشف العذرية على بناتك أم ستخشى أن تكون إحداهن متزوجة دون أن تعلم أنت؟ لن يرتضِي أحدٌ منا أن يتم الكشف على بناته لأن ذلك يعد طعنة في شرفهن، والشرف الذي أقصده ليس شرف الجسد بل شرف الروح والعقل وهو الأطهر والأعظم.
تُعقَد المحاكمة، وهنا تنطق إيزيس بالتهم الموجَّهة إلى عجينة، أولا اختزال شرف الإنسان (أنثى وذكرًا) في جسد المرأة، من يُرِد معاقبة رجل يُعَرِّ أو يغتصب زوجته، كما حدث يوم توقيع كشف العذرية على ثائرات التحرير عقب اعتقالهن يوم 9 مارس 2011 لمعاقبة الثوار، واليوم تريد يا عجينة أن تجعله قانونًا، فهل يجوز استباحة جسد المرأة لنشر العفة والشرف؟ كيف يكون الشرف هو الخطيئة؟
جسد المرأة هو تاريخ الأمة، والتاريخ لا يمحى، فكيف نحول التاريخ إلى عار يجب أن يتوارى ويستتر خلف الجدران حتى لا يجلب الذل والمهانة؟ كيف تريدون تحويل الحياة إلى مقبرة تبتلع الجميع؟ كيف نختزل الوجود في لفظ “عورة”؟ تلك العورة هي التي منحتكم الحياة قبل أن تروا النور، من أجل أن تصبحوا رجالا وتقذفونها بالشتائم وتعايرونها بجسدها الذي منه لفظتكم للوجود، تلك الأجساد لن تنسى فالتاريخ لا ينسى.
عليكم أن تفخروا بتلك الأجساد التي منحتكم من روحها حفنة فتخرجوا إلى العالم وتعمروه، بدلًا من أن تجعلوهن يخحلن من أجسادهن حتى الكره، محاولين إخفاء العار، نتلفت يمينا ويسارًا في الشوارع خوفا من أن ينتهك مريضًا يدعى الرجولة جسدنا بنظرة أو كلمة أو لمسه، هل تحاكموننا على حريتنا وممارستنا حقنا في العمل والحياة، بإعطاء أنفسكم الحق بسبنا ولعنا والتحرش بنا واغتصابنا ماديًا ونفسيا وإذا سنحت لكم الفرصة سوف تقومون بوأدنا كالجاهلية الأولى.
عجينة، قد صرحت من قبل أنه لا بدَّ من ختان الإناث قائلا “إحنا شعب رجالته بتعاني من ضعف جنسي، بدليل إن مصر من أكبر الدول المستهلكة للمنشطات الجنسية التي لا يتناولها إلا الضعيف، وإذا بطلنا نعمل ختان هنحتاج رجالة أقوياء، ونحن لا نمتلك رجالًا من هذا النوع. من باب أولى علشان تكون فيه عدالة بين الرجال والنساء، إننا نفعل الختان، لأنه يقلل الشهوة الجنسية لدى المرأة، والمفترض أن تقف النساء إلى جانب الرجال علشان العجلة تمشي”، هل ترى هنا عدالة، هل من العدل أن تقطع جزء من جسد طفلة لتحرمها من حق منحه الله لها، هل من العدالة أن تنعتها بعد ذلك بالبرود لأنها تم اختتانها وتبحث عن ما ليس بها في امرأة أخرى، قسمًا بربي أنه أشد أنواع الظلم.
بات جسد الأنثى عار لا يحق لها الاهتمام به دون أن يكون هناك رجلًا في حياتها، تتوارى من طبيعتها التي خلقها الله عليها، تخجل أن تشترى فوطًا صحية خلال فترة دورتها الشهرية، حتى لا ينظر لها البائع باشمئزاز، تتهموننا بالإعوجاج وأنتم على هذا الإعوجاج تتقاتلون، منذ بدء الخليقة عندما أراد قابيل أن يتزوج من أخته الجميلة والتى كان من المفترض أن يتزوجها هابيل ونشب الخلاف حتى انْتهى بقتل قابيل لهابيل.
بعد الاستماع إلى شهادة الأرض، قالت إيزيس “سيدى النائب المحترم. أين كشف عذريتك؟ ” ألا يحق لنا أن نتأكد من عفة نواب البرلمان الذين يمثلون الشعب، ربما تكون شاذًا أو انتهك عرضك أو اغتصبت أو مارست الرذيلة أو ربما تزوجت عرفيا دون علم أهلك، هنا ترتعد السماء وتنطق حكمها باللعنة على كل من دنس طهارة المرأة وانتهك عرضها واختزل شرفها في جسدها، ونَسِيَ أن الشرف هو شرف العقول ومن فعلوا ذلك هم الذين فُضت عذرية عقولهم بأبشع أنواع الخطيئة.
انسدل الستار .. وتصرخ إيزيس “علينا الإيمان بأن المرأة هي البداية، بوابة العبور للدنيا، في رحمها تنبض قلوب الرجال من دقات قلبها، النساء هن العرش، جسدهن مقدس، هن رمانة ميزان الكون بدونهن تختل الطبيعة، هن الفكرة والحلم، النور، الحب، العدل، الخير، هن اللاتي كرمهن الله وجعل الجنة تحت أقدامهن ولن يجعل الله جنته تحت عار وإنما تحت سنبلة قمح طاهرة تمنح الحياة للجميع كأمي وأمك وأختي وأختك وابنتي وابنتك وزوجتك وزميلتك. سلامًا طيبًا عليكن يانساء الأرض حتى تبعثن.