ما في سينما لبنانية ! لا…توجد سينما ولكن ما أحد مهتم بها ! هذه الجملة تأتي في حوار بين أثنين من أبطال الفيلم اللبناني الحدث (كتير كبير) وهي تعكس بالفعل حال السينما اللبنانية الغير مرتبطة بصناعة مستقرة والغير جماهيرية أيضا، ولكن مثلما فعلت على فترات متباعدة فاجأتنا السينما اللبنانية مؤخرا بفيلم هام وهو ( كتير كبير) تأليف وإخراج ميرجان بوشعيا وهو قدمه قبل سنوات كفيلم قصير (مشروع تخرجه) الفيلم نجح جدا في عدد من المهرجانات الدولية وحاز على عدد كبير من الجوائز أيضا، أهمها النجمة الذهبية من مهرجان مراكش، الفيلم أنتجه المخرج مع شقيقيه وقام ببطولته ألان سعادة ، فؤاد يمين، الكسندرا قهوجي.
شاهدت الفيلم للمرة الأولى في مهرجان وهران وهذه هي المرة الثانية بعد بدء عرضه بالقاهرة بسينما زاوية، الفيلم يستحق المشاهدة فمنذ بدايته تتأكد انك أمام فيلم عربي جيد جدا يلفت إنتباهك بكل أدواته الفنية إخراج وسيناريو وتصوير وصولا لعنصر التمثيل المتميز خاصة الموهوب ( ألان سعاده) حاز على جائزة أفضل ممثل مؤخرا من مهرجان الأسكندرية وقبلها من وهران عن دوره بالفيلم، فتصدقه وهو تاجر مخدرات ثم كمنتج سينمائي أو كسياسي تقتنع أيضا به جسد كل هذه التحولات ببراعة وموهبة كبيرة.
صناع الفيلم يفهمون جيدا مجتمعهم وما به من خبايا أدت لحالة الفراغ السياسي التي يعيشها لبنان منذ عدة سنوات، ورغم أن موضوع الفيلم الرئيسي عن مافيا المخدرات والحيلة التي يلجأ لها البطل (زياد الحداد) لتهريب المخدرات بتصوير فيلم ! لكي يتمكن من وضعها داخل علب الفيلم الخام! كي لا تمر على جهاز التفتيش! لكن يفاجيء الفيلم المشاهد بأنه يمر بذكاء شديد على الموضوعات الشائكة داخل المجتمع اللبناني مثل الطائفية والفساد والإرهاب وعلاقة ذلك بالسلطة ! وهي مشاكل كثيرة مستعصية على الحل يعيشها المجتمع ! فمثلا يتحدث صناعه عن الطائفية بكل وضوح وصراحه من خلال مشهد كوميدي ساخر حيث يطلب المنتج بناء على رغبة شقيقه تغيير سيناريو تصوير الفيلم لشخصية البطل من مسلم يحب مسيحية لمسيحي يحبمسلمة ! لأن البطل أعترض على تجسيده شاب مسلم أمام المشاهدين !؟
كل ذلك وسط إشارات لحالة إنعدام الثقة السائدة بين الجميع داخل لبنان والتي جسدها المذيع مارسيل غانم في مشهد هام وذكي داخل أحداث الفيلم وهو يستضيف المنتج ( تاجر المخدرات) للحديث معه كصانع سينمائي مهم!عن إنفجار تم في لوكشن التصوير ويبدو المذيع غير مقتنع بما يقوله الضيف من أن ( وراء الإنفجار ناس لا تريد لنا طرح مواضيع معينة في السينما ونريد طرحها )هكذا مواقف معينة كشفت الكثير مما يدور داخل هذا المجتمع المختلف تماما عن باقي عالمه العربي، وفي ظل حالة الفراغ هذه ممكن لأي شخص أن يفعل ما يشاء!
ماذا لو تسلم زياد البلد ؟
وعلى الرغم من بساطة الإخراج والتصوير للعمل إلا أنه كشف الحيل السينمائية أثناء التصوير من خلال عدد من المشاهد جعلت المشاهد يعيش هذه المتعة بشكل ساخر وكوميدي، خاصة لشخصية المخرج والذي بدى في (الشكل) مثل مايكل مور!
أعترف المخرج ورئيس لجنة تحكيم مهرجان مراكش فرانسيس كوبولا لمخرج ومؤلف الفيلم ميرجان بوشعيا عقب منحه جائزة النجمة الذهبية كأفضل فيلم ( إنه أعجب في الفيلم بشخصية البطل زياد “الوصولي” مضيفا، ماذا لو تسلّم شخصٌ كهذا البلد !؟ ) بالفعل الفيلم يطرح كل الإحتمالات خاصة وإنه ينتهي بالصعود السريع لزياد وقد أصبح سياسيا ونجما لامعا في المجتمع اللبناني !في نهاية جريئة للأحداث.
نجح فيلم (كتير كبير ) في تقديم درس فني لصناعة شخصية أسطورية هي في الأساس لمجرم خارج على القانون نجحت وصعدت داخل المجتمع ( ممكن هنا المقارنة بين ما قدمته السينما المصرية مؤخرا بشكل مكرر في أكثر من عمل ولكن ! الصبغة التجارية كانت طاغية لدرجة تصل لحد الإسفاف الفني أحيانا!
نرشح لك :