واضح أن كل التقارير التى تصل الرئيس تثير قلقه، لكنه حريص على ألا يبدو قلقًا بل مطمئنًا وواثقًا فى الله والعارف بما يجرى فى دوائر الاجتماعات يدرك أن الرئيس يرد على أى تخوف أمنى أو اقتصادى بأن الله معه وما دام الله معه فلا خوف على البلد.
هذه الثقة جميلة فعلًا وتبعث على الراحة، لكنها مجرد مشاعر عاطفية لا أشك لحظة أنها كانت تنتاب سابقيه من الرؤساء الخمسة الذين حكموا مصر سواء نجيب أو ناصر أو السادات أو مبارك أو مرسى، فليس منهم من تصور أن الله ليس معه أو أن حكمه لا يهدف إلى خير مصر ومجدها بل إن مرسى بالتأكيد كان يتصور أنه جندى من جنود الله لعزة ورفعة الإسلام وليس مصر فقط!
الرئيس يؤمن أن ما يفعله هو لصالح البلد بما فيه السجن والقبض والمنع وما يسألونه عنه فى الغرب مما يطلقون عليه انتهاك حقوق الإنسان، ثم هو صارم جدًّا فى ثقته بأن الله معه ومن هنا تلمح استخفافًا من الدولة كلها بالدستور والقانون فطالما أن الله مع الرئيس فلا لزوم لعوائق دنيوية!
نعم الرئيس يشعر الآن بنكران الجميل وبجحود من قطاعات واسعة من الشعب بدت رافضة ومعارضة أو على الأقل قلقة تجاه قراراته وغير واثقة فى سياسته، لكنه فى الوقت نفسه يشفق على هؤلاء جميعًا من جهلهم أنهم لا يعرفون أن الله معه وأنهم يتصورون أنه يتصرف وحده دون هداية ودعم من الله.
رغم ذلك كله فإن الرئيس يبدو على عكس ما يحاول وما يستقر فى أفهام كثيرين حوله، يبدو قلقًا من المجهول وها هو يفكر بصوت عالٍ أمام الملايين فيتحدث عن نزول الجيش فى ست ساعات!
لكن نزوله ضد من؟
إن كل تصرفات الدولة يكشف حجم التوتر الهائل الذى يحكمها رغم الابتسامات والضحكات الطبيعية والمفتعلة من شخصيات تحاول أن تبدو أمام الشاشات متماسكة وواثقة.
لا أحد مطمئن بدليل أن الرئيس السيسى نفسه يتحدث عن انتشار الجيش فى مدن وشوارع مصر خلال ست ساعات فقط لو قضت الضرورة، الرئيس يشعر أن هناك ضرورة قادمة إذن، والذى يعرفه الرئيس والجيش والشعب وكل مواطن مصرى أن نزول الجيش يعنى انحيازًا للشعب وليس رصاصًا ضد مواطنيه!
فى عز الانفلات الأمنى بعد خمسة وعشرين يناير وتحديدًا عقب جمعة الغضب وحين خلت مصر من الشرطة وانتشر الإرهابيون الهاربون فيها فإن الجيش تصرف منحازًا للشعب وليس كقوة ضد المتظاهرين أو المحتجين أصلًا ثم تورطت إدارة المجلس العسكرى فى أعمال قمع فى أحداث ماسبيرو ومجلس الوزراء وكان مشهدًا مخزيًا لم ينسه المصريون إلا فى ثلاثين يونيو ومن يريد أن يعيده ويكرره إنما يكره جيشه ووطنه.
وفى قلب الانفلات الإرهابى الذى جرى عقب ثلاثين يونيو وعقب فض رابعة لم نرَ الجيش يتدخل فى مظاهرات الإخوان المسلحة ولا فى حرقهم للكنائس بل الحادثة الوحيدة التى ردَّ فيها الجيش كانت دفاعًا عن نفسه حين حاول الإخوان اقتحام دار الحرس الجمهورى.
لا يجب أن يتحول الجيش أبدًا إلى آلة بوليسية تطارد متظاهرين وتعتدى على مسالمين وتقبض على عزّل وتتدخل بين الشعب ورئيسه، الثابت أنه على مدار تاريخ مصر كله كان الجيش حين نزوله الشارع إعلانًا عن انحيازه للناس وللشعب وليس تصديًا لهم ولا تربصًا بهم ولا يجب أن يفكر أو يلوح أحد بعكس ذلك.
عمومًا لا يوجد أى شىء علمى عقلانى يدفع إدارة الحكم فى مصر للاطمئنان.
لكن أصلًا طريقة إدارة مصر الآن لا تقترب بقريب أو بعيد للعلم والرشادة!