اليوم .. أكتب لك على الملأ حتى لا أخشى مواجهتك بما أريد أن أقوله، دوماً فاشلة أنا فى البوح عن ما بداخلى نطقاً والحروف أكثر أماناً بالنسبة لي، أختبىء بينها خجلاً كالطفل الصغير الذى يخشى فراق حضن أمه، اعتذر لك أمام الجميع عن عبثي وغبائي، و ما سببته لك من ضيق حتى وصلت إلى أصعب مرحلة جعلتك تقول لي “زهقت”.
حملي ثقيل أعلم، صرخت وثرثرت وكان عنادي قاتلًا حد الجنون، لم أفهم أنى أسبب لك الأذي، صديقي “حاء” “أنت نور هذا الظلام أؤمن بك كما يؤمن المحارب بالمعركة، كالدرويش فى حلقة ذكر صوفية، ومحب فى أمسية شعرية فى يافا، وأم تحتضن جنين فى أحشائها، كنت شجاعة حد الجبن، خشيت أن أخسرك فدفعتك إلى خسارتي.
أُيقن أنك ستفهم ما بين تلك السطور لأنك أنت وليس أحداً آخر، أتمنى أن تلمس حروفي روحك وتمحي ما علق بها من هفواتى ، ربما تعجز كلماتى عن تصحيح ما أقترفته من أفعال طفولية ، ربما تغلق باب قلبك فى وجهها .. ربما تتركها فى الخلاء تعانى الغربة وحدها ربما وربما،ولكنى سأكتب إليك على أية حال.
كنت أمرأة لا تأبه لوجود أحد بجانبها إعتادت خوض معاركها بمفردها دون أن يرافقها أحد، هكذا علمتنى الظروف أنت صديق نفسك .. سندها .. أمانها .. ملاذها الأول والأخير، أؤمن أن المرأة خلقت من رحم الجبال، تروض الأحزان كما شاءت كراهبة فى الصحراء، ترتعد الذئاب من صوت اختراق عباءتها الطاهرة للرياح العاتية التى تركع فى حضرتها.
حتى ضربتني طعنة الدنيا الغادرة فسقطت فى حمم الخيبة ، وقتها ظهرت أنت رفيقاً .. صديقاً طاهراً كقديس هبط من السماء رحمة بقلب طفلة تكالبت عليها أسياط الخذلان دون أن يطرف لها عين، مددت يدك أنت لها بعد أن أوصدت الأبواب كلها أمامها، فأدركت وقتها أنه مهما بلغت قوتنا نحتاج كتف صديق أو عزيز نلقى عليه بأحزاننا، وآمنت حينها أن فى حضورك شمسي لا تغيب أبداً
صوتك كان يهمس لى فى عطف ليطمئن قلبى الصغير، أن هناك فرح سيأتي والحلم سيكتمل مهما بات وجوده خرافياً فى نهاية الدرب المظلم الذى قدر لى أن أسير به، قمت أنت بتنظيف شظايا الحزن العالقة بجدران الروح وأنرت مصابيح القلب التى أطفأتها أمطار اليأس، علمتنى أظل كالسنديان لا تكسرني الريح، شددت على يدى كأبٍ حنونٍ يقسو على طفلته أحياناً ليقوى ضلوعها حتى لا تُكسر، حفرت بداخلي أن نهاية كل تعب أمراً يستحق الخوف والعناء.
الفدائيون .. هم من يعطون دون انتظار مقابل .. الأكثر صدقاً وحباً .. من شيَمِهم مداواة الآخرين حتى وإن كانت قلوبهم منهكة لا يتعبون ولا يتخلون عن أحبابهم مهما حدث وأنت منهم ، أنت لى قائد ومعلم أدين له بالكثير .. علمتنى أن أقف على ناصية الحلم .. على حافة الهاوية دون خوف أنظر إلى مخاوفي فى عينيها دون أن ترتعش عيناي ، أغنى للدنيا كى تهدأ وتغفو فى مهد الوفاء ..كم كنت كريماً معي.
اعترف أننى تصرفت بصبيانية فى مناقشتنا الأخيرة، ربما خدعتنى مرآة الكرامة الزائفة، رأيتك أبي الذي سيتحمل أخطائي ، وخشيت أن تتركني وترحل فأصبح يتيمة ، ولكن ما أيقنه أن رحيلك مُحزن بل مؤلم، أتفهم أنك كالبحر تحمل النقيضين دوماً، نخشاه ونهرول إليه هرباً من الحياة، قسوتك تغلف فيضاً من الحنان بقدرته إغراق العالم كله حباً ودفئاً
وحده البحر أكثر حناناً علينا يملؤنا طاقة وأمل ورغبة فى الحياة، نبوح له بما يوجعنا فلا يغرقنا بكلمات تقليدية ولا يقذفنا بأمواج اللوم، يسمعنا فى هدوء ثم ينظر لنا نظرة كفيلة أن تحيي قلباً يحتضر فى سكراته الأخيرة، مختلف أنت عن الجميع، صادق وطاهر كسنابل القمح فى رؤيا يوسف، فى وجودك فقط تشعر الطفلة الصغيرة بأنها فى مكان أكثر دفئاً وطمأنينة من ذلك العالم الموحش.
معك وحدك ياصديقي اعتدت وضع أحلامى تحت وسادتي و أنام قريرة العين عدت طفلة لا تفهم شيئاً من هم الأيام، حقاً أحتاجك .. الاحتياج تلك الكلمة التى لم أطلبها من أحد مسبقاً اليوم أطلبها منك حباً وليس ضعفاً، ومن اليوم وحتى تفارقني روحي سأظل أحكي عنك للجميع ، فخورة بك يا أطهر صديق يا من يهتم .. يحنو .. يقسو حباً .. ياصديقي أغفر لي
كان عليك أن تعلم أن شراستي وهجومي خلفه قلبا هش، كل ما فى هذا العالم لا يستحق أن أخسرك مقابله، سأخبرك سرًا عندما احتار فى موقف ما اتحدث معك دون أن أهاتفك أو أقابلك، وتجيبني وترشدني إلى الصواب وأنت تربت على كتفي، وتشد على يدي وتقف فى جواري غائبًا ولكنك حاضرًا، وقتها أواجه العالم كله دون أن أخشى شيء.
كنت أقف على رقائق هشة من الجليد الذي لن يحتمل قسوة شمس الحياة، وكنت لي أرضًا ثابتة أقف عليها وقلبي واثق أنه لن يسقط أبدًا، ولن تستطيع حرارة الخلافات إذابة أرض الصداقة بيننا، وكما قال غسان لغادة ” لن أنسى كلا .. فأنا ببساطة أقول لك: لم أعرف أحدا في حياتي مثلك، أبداً أبداً . لم أقترب من أحد كما اقتربت منك أبداً أبداً ولذلك لن أنساك، لا…إنك شيء نادر في حياتي، بدأت معك ويبدو لي أنني سأنتهي معك. .
وفى عامى الجديد، الذى لم يمر منه سوى شهرين ، لن أسأل الله شيئاً غير مصالحتك.. لن أبكى بحرقة على سجادة صلاتى إلا وأنا أدعوه يجعلك بجانبى دوماً سنداً وأباً وأماناً، ألا يحرق قلبى بغضبك منى، ألا تترك يدى على حافة الهاوية حتى لا أسقط .. لأنها حتما ستكون مؤلمة صوت أحلامى وهى ترتطم بقاع الخذلان .. سأتضرعه بقلب صادق أن تعود حتى تشرق شمسي من جديد وتعلمني كيف أصنع من رماد أفراحى نوراً يرشدنى إلى الحلم. .