ليست بالأمر الصعب “في بدايتها”، كقارئ لنشرة الأخبار ستجلس في الاستديو وتقرأ كما تعودت أن تقرأ، ولكن الفارق بينها وبين التدريب أنك تجلس بشكل مستقيم على كرسيك وبكامل هيئتك الرسمية وتنظر إلى الكاميرا وتنتظر أن يضيء اللون الأحمر أعلى الكاميرا التي أمامك لتبدأ بالكلام في بداية النشرة تحيى المشاهدين (وكل واحد والتحية اللي يختارها) مع الوضع في الاعتبار المحافظة على وقار قارئ النشرة، أنت ستجلس على نفس المقعد الذي جلس عليه أساطير الإذاعة والتلفزيون (أحمد سمير، ومحمود سلطان) رحمهما الله.
أما أهم تعليمة أخذتها من معلمتي الأستاذة صديقة حياتي رغم تحمسها لي وثقتها في قدراتي قالت “محمود الكاميرا عندها قلب لو دخلت قلبها كمل، لو ما دخلتش قلبها دور لك على شغلانة تانية أو متتطلعشي تقول النشرة على التلفزيون ممكن تكمل في الإذاعة”، سألتها وكيف سأعرف إذا كانت الكاميرا أحبتني أم لا، فقالت ستصلك النتيجة ولكن ستكون بعد عدة أسابيع وذلك مع تشديدها على أنني لا بد لي من أن أنفذ هذه التعليمة بحذافيرها، وأنه إن لم يحدث قبول (مع الكاميرا) علي ألا أكمل في هذا الطريق.
وبعد أكثر من 15 عامًا أتذكر كيف كنا في هذه الفترة نقرأ الأخبار من الورق وندرب أنفسنا على القراءة سطرًا من الورق ونظرة للكاميرا ونتدرب على تقليل زمن وضع أعيننا في الورق للقراءة، وما وصلنا إليه من قراءة الأوراق من خلال جهاز القراءة من أمام الكاميرا، وكيف كانت أوامر المخرج لا تصل إلينا إلا من خلال ورقة يبعثها مع أحد أفراد الاستديو، وتطور الأمر الآن إلى وضع سماعة في الأذن تحقق التواصل المباشر معه وكم الشوشرة والتشتت في بداية استخدامها.
لكن أهم ما في الرحلة والتدريب هو ما كان يجب علينا أن نلتزم به من معايير إعلامية، عدم مقاطعة الضيف وأن البيانات الرسمية هي بيانات لا يحق للمذيع التعليق عليها بشكل شخصي وأن رأيه لا يجب أن يخرج إلى الهواء، وأن عليه أن يحاور فقط ولا يدلي برأيه في الموضوع المعروض إلا من خلال المعلومات دون تهكم أو سخرية، وأن يحترم الجميع وأن يكون موضوعيًا ومحايدًا وليس طرفًا في الحوار بل يكون مديرًا له فقط، وأن نجاح المذيع هو في أن يصل إلى هدفه بأسئلته ومداخلاته وليس بأن يكون (قليل الذوق)!
قد يكون الناس قد ملوا من الطريقة القديمة في الحوار والتقديم فكان النجاح للطريقة الجديدة وهي رفع الصوت وتسخين الموضوع والسب والقذف لبعض الناس وإدلاء مقدم البرنامج برأيه والمزايدة على الضيوف والمسؤولين من ناحية الوطنية والعدالة… وإلخ من العناوين الرنانة، ولكن بعد تجربة الإعلام الخاص التي بدأت منذ ما يزيد عن 10 سنوات في مصر وقبلها بسنوات، تجربة قناة الجزيرة إلى أي مدى كنا على قدر المسؤولية، هل يستطيع أحد أن يقيم هذه التجربة هل نجحت أم أن سلبياتها والتي قلنا في بداية ظهورها أنها ستزول مازالت مستمرة وتتفاقم مع الوقت وتتجه من سيئ إلى أسوأ؟؟؟!!!!
اقرأ أيضًا:
محمود يوسف: حُسن البضاعة من حُسن السوق