نقلاً عن المصري اليوم
كلما قرأت شيئاً عن سعاد حسنى، سواء كان انتحارها أو زواجها من عبدالحليم، استشعرت أن الحكاية فيها «إنَّ»، وأن سعاد صارت مجرد صفقة تجارية يريدون استثمارها، حيث أحال بعض ورثة «سعاد حسنى» كل ما فيها إلى ورقة بنكنوت، كل ما هو متعلق بسعاد يساوى عندهم فلوس محتملة أو أضواء ممكنة، ملابسها، أوراقها الخاصة، مناديلها، كلها تعنى بالنسبة لهم شيئاً واحداً، مشروعاً مادياً قادماً.
حتى جثتها، والتى تسكن بقاياها الآن تحت التراب منذ 15 عاماً، كانوا يريدون قبل بضعة أعوام أن يتم تشريح جثمانها ربما يعثرون على شىء يعيدهم إلى الكاميرا، وتتوجه إليهم الفضائيات بحثاً عن السبق، النائب العام رفض تشريح الجثة لأنه لم يقتنع بالأسباب التى أوردها المحامون، وكان الغرض هو نفى الانتحار وتأكيد جريمة القتل.
ليست هذه هى «سعاد حسنى» التى ستعيش مع الزمن، لا يعنينى إن كانت انتحرت أم قتلت.. قناعتى الشخصية أنها انتحرت، كل الملابسات التى تجسدت أمامى منذ إعلان الخبر تشير إلى انتحارها، ما تبقى من «سعاد» هو نفسه ما تبقى من «مارلين مونرو» نجمة السينما الأمريكية.. ما سيمكث فى الزمن القادم، ليس هو ملابسات الرحيل، ولكن الأسطورة التى أسعدتنا ولايزال إشعاعها الفنى يعيش بعد حياتها وسيظل مشعاً بعد حياتنا!!
«سعاد حسنى» هى الموسيقى تتجسد لنا فى ملامح بشر.. إنها موسيقى مرئية.. تتحرك موسيقى.. تغنى موسيقى.. تمثل موسيقى.. تتنفس موسيقى.. ولهذا فإنها مثل الموسيقى الخالصة لا يمكن أن تمسك بها لكنك تحلق معها، ولهذا حلقنا مع الأعمال الفنية التى قدمتها، وكنا نشاهدها بعشق وشوق ولا ندرى أننا نشاهد أنغاماً موسيقية، تلك هى قناعتى بسعاد أنها النغمة الساحرة، ولكننا أحلناها إلى مجرد لغز ومخابرات ولعبة عسكر وحرامية، وبعدها يتم الزج بأشخاص غادروا حياتنا لا يملكون التأكيد أو النفى لتصبح الحكاية «سبايسى»!!
الوجه الرائع والحقيقى لسعاد، أنها سيمفونية شارك فى وضع أنغامها عدد من كبار المبدعين، مثل الكاتب عبدالرحمن الخميسى، والشاعر صلاح جاهين والموسيقار كمال الطويل والمخرج على بدرخان.
ويبقى فى المعادلة اسم «عبدالحليم حافظ» الذى منح «سعاد» بمواقفه السلبية منها قوة دفع لإثبات الذات.. «عبد الحليم» بالطبع لو أراد فى بداية مشوار «سعاد» أن يقف معها لفعل الكثير، بل أشعر أنه كان يتعمد عرقلة مسيرتها فلم تشاركه إلا فى دور هامشى، حيث لعبت دور شقيقته فى «البنات والصيف»، وأثناء التصوير كما قالت لى بطلة الفيلم، زيزى البدراوى، اشتعلت شرارة الحب، وبعد ذلك قدم عبدالحليم فيلم «الخطايا»، ولو أراد أن يسند لها دور البطولة أمامه لفعل، لكنه منح الدور إلى منافستها فى ذلك الوقت عام 62 «نادية لطفى»، ولو عدت للأرشيف لاكتشفت أن المخرج «حسن الإمام» رشح سعاد حسنى لدور البطولة إلا أن حليم كان قد اتخذ قراره بالانتقام منها فاعترض، كانت مواقف «عبدالحليم» دافعاً لإبداع «سعاد حسنى» ولتألقها الجماهيرى وكلما أمعن فى إبعادها عن دائرته الفنية اتسعت أكثر دائرتها، كانت أمنيتها أن يأخذها «عبدالحليم» إلى مملكته الفنية، وعندما أوصد دونها الأبواب صنعت هى مملكة خاصة بها مترامية الأطراف، بعشرات من الأفلام الرائعة.
ولكن ما يتوقف عنده الناس هو الحكاية الشخصية، آخر محاولات استثمار سعاد كتاب تُعده شقيقتها جانجاه، نقطة الانطلاق وثيقة زواجها من عبدالحليمن والتى قدمها وائل الأبراشى فى برنامجه «العاشرة مساء»، استوقفنى أن شاهدى الزواج العرفى هما عميد المسرح العربى يوسف وهبى، والإذاعى الكبير وجدى الحكيم، فى حياة يوسف بك وهبى لم يكن الموضوع مثاراً أصلاً، ولكن فى حياة وجدى الحكيم كانت الحكاية على أشدها، كنت قريباً من وجدى، فهو صاحب القسط الوافر من تسجيلات حليم الإذاعية، ولم يقل أبداً إنه تزوجها، نعم قال إن عبدالحليم عندما اضطر لمغادرة المغرب فى رحلة غنائية كانت معه فيها سعاد، واتفقا على تفاصيل الزواج، وكان وجدى شاهد عيان بحكم تواجده لنقل الحفل لإذاعة «صوت العرب»، وكلفه حليم بإحضار بعض الأثاث كان قد تعاقد عليه، إلا أنه أخبره بعدها تليفونياً أن المشروع توقف ولا داعى لإحضار أى شىء. ولم يذكر أبداً وجدى لأحد أنه كان شاهداً على الزواج، كمال الطويل مثلاً قال إنه كان يرى سعاد حسنى كثيراً فى بيت حليم، مؤكداً علاقة الحب، وفى نفس الوقت نافياً الزواج.
ويبقى أن محاولة الزج بالمخابرات المصرية فى مقتل سعاد، تواكبت مع إشارة من الورثة بأن حسين فهمى- الذى قرر تكريم سعاد حسنى عندما كان رئيساً لمهرجان القاهرة السينمائى عام 2000 قبل عام من رحيلها- كان قد تلقى تسجيلاً صوتياً منها قدمه فى حفل افتتاح المهرجان، وقال الورثة إن هناك شريطاً آخر تلقاه حسين من سعاد تخبره فيها بأن هناك من يلاحقها من المخابرات، وهو ما أنكره وقتها حسين، أيضاً قالوا إن صديقتها الأقرب نادية لطفى، والتى أوصتها سعاد باستلام درع تكريمها من المهرجان، لديها معلومات من سعاد عن ملاحقات المخابرات لها، وهو ما نفته أيضاً نادية.
ورغم ذلك هناك ظلال من الحقيقة، المخابرات بالفعل حاولت فى توقيت ما فى زمن صلاح نصر استقطاب سعاد، وأن ضابط الاتصال المكلف بذلك هو المقدم صفوت الشريف، وكان يحمل فى تلك السنوات اسماً حركياً «موافى»، سعاد فى البداية اعتبرته مجرد اقتراح عابر، ولكنها أمام الإلحاح رفضت تماماً الإذعان لهم، ولم تكن سعاد تفتح أبداً هذه الصفحة مع أحد، وفى سنوات غربتها فى لندن، سجلت رباعيات صلاح جاهين لحساب إذاعة «بى بى سى»، وكان حلقة الوصل هو الإعلامى والكاتب الصحفى عبداللطيف المناوى، ولكنها لم ولن تفكر فى تسجيل مذكراتها الشخصية، ولا أى تفاصيل متعلقة بواقعة المخابرات تحديداً، ولكن أول من جمع بين كل تلك الخيوط هو الشاعر أحمد فؤاد نجم، وربط بين الاتفاق مع المناوى لتقديم برنامج للتليفزيون المصرى فى عهد صفوت الشريف ورحيل سعاد، واعتبر أن هناك يداً للمخابرات فى كل ذلك، مشيراً إلى أنها سجلت مذكراتها مع عبداللطيف التى تفضح بها المخابرات، وهو سلم الشريط لصفوت بدلاً من عرضه، وكما ترى مجرد خيال لا يستند إلى أى دليل. من يعرف سعاد أو التقى بها، وأنا التقيت بها أكثر من مرة، يدرك جيداً أنها ليست الشخصية التى تدخل فى معارك مع أشخاص، حتى تجرؤ على أن تجد نفسها فى مواجهة مع جهاز المخابرات، نعم كانت هناك الكثير من المؤشرات تؤكد أن سعاد تفكر فى العودة لمصر، بل كان كمال الطويل حريصاً على أن ينتج لها فيلماً وترك لها حرية اختيار المخرج، إلا أن إقبالها فى لحظات على الحياة لا يعنى أنها لم تكن تفكر فى الانتحار، أرادت أن تظل محتفظة بصورة «زوزو» فى الأذهان، وندمت على مشاركتها فى فيلم «الراعى والنساء»، حيث كانت ملامحها قد تغيرت، سعاد كتبت كلمة النهاية لحياتها هذه حقيقة أكدتها التحقيقات، وكل الوقائع تؤكد أنها لم تتزوج من عبدالحليم، وتلك حقيقة ساطعة أخرى!!