فاتن الوكيل
كل شهيد من شهدائنا، حالة فريدة من نوعها، من حيث البطولة والتضحية، لكن هناك حالات تأخذك إلى عالم آخر، ربما يكون بعيد تمامًا عن الحياة العسكرية، لا تبحث معهم عن بطولاتهم ومعاركهم الحربية وفقط، يُجبرك حديث أحبائهم عنهم على البحث عن تفاصيل حياتهم، لمعرفة سبب هذا التفرد، وكلما بحثت أكتر وجدت أنهم كانوا بشرًا من نوع آخر، وهو ما ينطبق على الشهيد العميد إبراهيم الرفاعي.
اسمه هكذا مُركّب.. “إبراهيم الرفاعي”، ولد في 27 يونيو 1931، بقرية الخلالة مركز بلقاس محافظة الشرقية، وهذه المعلومات من السهل الحصول عليها، وكيف التحق بالكلية الحربية، ثم مدرسة الصاعفة، ثم تدرجه السريع في الرتب العسكرية، بالمقارنة إلى عمره الصغير و”القصير”، حيث استشهد وهو في عمر الـ 42 عامًا، لكن الصعب هو أن تعرف ما بين المعارك، علاقته المثيرة للإعجاب برجاله، أما علاقته بأسرته فهي أمر آخر يحتاج إلى حديث أطول.
“أسطورة الصاعقة” و”أمير الشهداء” كما يُلقب، كان يعرف أن العمل العسكري وحده لا يكفي، وأن العدو الصهيوني يُرعبه السلاح المعنوي بشدة، لذلك لم يكن يُمانع في اصطحاب أحد الصحفيين ممن وثق فيهم، خلال إحدى عملياته الخاطفة، لينقل إلى الرأي العام، كيف أن جنودًا مصريين، يتمكنون بمعدل شبه يومي، من عبور قناة السويس، واقتحام خط بارليف، بل وتنفيذ عمليات إغارة على مواقع العدو، وهو من شأنه رفع الروح المعنوية، لرجالة وباقي الجيش، والمجتمع بأكمله.
من بين هؤلاء الصحفيين الذي صاحبوا الشهيد الرفاعي، هو الكاتب الصحفي بجريدة الأهرام “عبده مباشر”، والذي تطوع خلال فترة حرب الاستنزاف بصفته المدنية ليكون عضوًا في الصاعقة، حيث كتب في موقع الأهرام عام 2014، تجربة مختلفة للشهيد الرفاعي، في أن يكون “صحفيًا”، وذلك عندما ذهب إليه في مكتبه بمقر القيادة في حلمية الزيتون، عقب مشاركته مع مجموعة الرفاعي “المجموعة 39 قتال” في الإغارة على مطار الطور، ليفاجأ بالرفاعي يمد يده بورقتين موضحًا أن هذا تقرير صحفي عن العملية، ثم أضاف مازحًا: “ربما يفتح الباب أمامي لأعمل تحت رئاستك بجريدة الأهرام مثلما تعمل أنت الآن تحت قيادتي هنا”.
نشر مباشر صورة من الخطاب على موقع الأهرام، بالإضافة إلى كتابة نصها في متن التقرير، والتي شرح فيه الشهيد الرفاعي تفاصيل العملية، حيث بدأ بتحديد هذف العملية، وهي ضرب مطار الطور الذي جهزه العدو للإغارة على القوات المصرية في الصعيد والبحر الأحمر، ثم حدد نقطة انطلاق المجموعة، وتجهيزاتهم استعدادًا للانطلاق، ثم وصف بعض ملامح رجال المجموعة خلال انهماكهم في العمل.
ذكر الشهيد الرفاعي، أن الوحيد الذي كان يُراقبه من يبن الرجال هو الصحفي عبده مباشر، أو كما كان يُسميه الرفاعي “عبده باشا”، حيث أوضح خلال التقرير أنه أراد مكافأة “مباشر” ولم يجد أفضل من أن يُشركه في عبور قناة السويس، ويكمل الرفاعي سريعًا تفاصيل العملية ثم العودة.
كان الرفاعي خلال كتابته للتقرير، موجزًا ومعبرًا، نجح في مهمته الصحفية في وصف عملية قصف مطار الطور، وجعل التقرير إنساني أيضًا وليس عسكريًا فقط، من خلال ذكر بعض الأحاديث الطريفة بين الرجال، ولعبهم مع “درفيل” خلال إبحارهم بالقوارب، لينتقل مباشرة إلى المعركة بتفاصيلها، ثم العودة مرة أخرى بعد تحقيق الهدف، والآن بعد مرور عشرات السنوات على استشهاده، تُنشر عشرات المقالات والتحقيقات الصحفية، التي لم تستطع وصف القليل عن أسطورته التي أهدانا إياها.