محمد مصطفى أبو شامة يكتب : عن تسليك «الشنايش».. وتكحيل «العراميس»

نقلاً عن الشرق الأوسط

ترتجف الإسكندرية هذا العام استعدادًا لموسم الشتاء الذي يتوقع خبراء أرصاد ألا يكون أقل قسوة من الشتاء الماضي، الذي واجهت فيه العاصمة الثانية لمصر شتاءً حزينًا، بعد أن أسفرت أمطاره عن غرق المدينة وسقوط عدد كبير من الضحايا.

وشتاء هذا العام بدأت تلوح أمطاره في الأفق مبكرًا؛ فقد صادفتُها بنفسي في زيارة خاطفة لعروس البحر المتوسط قبل أيام من نهاية سبتمبر الماضي، فاجأني فيها المطر وزخاته المتقطعة في حدائق قصر المنتزه، وهو ما فجّر بيني وبين «الإسكندرانية» أحاديث التوقعات والآمال والتطلعات، وبعض الذكريات المؤلمة عن حوادث «الشتا اللي فات».

وكانت «الشنايش» هي كلمة الاستهلال في كل حوار، ما ان أقولها حتى ينساب الكلام من كل صامت، ويتنبه إليَّ كل منشغل، ليحكي قصته عنها، وقد طاردتني هذه الكلمة الغريبة منذ العام الماضي، بكثرة الحديث عنها، وعن انسدادها الدائم الذي تسبب في غرق مدينة «الإسكندر».

و«الشنايش» هي مصبات مياه الأمطار، وقمتُ بالبحث والتحري عن الكلمة وأصلها على «جوجل» محرك البحث الأشهر – دليل الحيارى والتائهين في هذا الزمان اللعين – وتأكدت أنها تنتمي لعالم الهندسة الإنشائية والمعمار، لكني لم أجد معنى واضحًا لها، وإن كنت أظن أن «الشنايش» هي فتحات أو فراغات مربعة تُصنع في الحوائط والأرضيات لأهداف إنشائية أخرى، وفي حالة الإسكندرية فهي «بالوعات» المياه ذات الغطاء المعدني المفرَّغ، التي تتسرب إليها مياه الأمطار وتنتقل منها إلى شبكة الصرف الصحي، وهي دائمًا تحتاج إلى «تسليك»، لأن انسدادها يؤدي إلى كارثة، ولهذا كان العنوان الأكثر تكرارًا الشهر الماضي هو «تطهير الشنايش» أو «تسليكها» في الإسكندرية وكل محافظات الوجه البحري المتوقع تأثرها بالأمطار، فهل يكفي «تسليك الشنايش»؟

الباحث المحظوظ يجد رزقه بقدر جهده، وهو ما حدث معي عندما اصطدمت في رحلتي لتسليك «الشنايش» بكلمة «العراميس»، والتي لمحتُ فيها سحر الإجابة ومحو «الرتابة».. وأدركت بفراستي الهندسية أهمية الكلمة وقدراتها، فبحثت أكثر وعرفت أن «العرموس» المفرد هو الفراغ بين قوالب الطوب عند تشييد أي حائط، الذي يتم ملؤه بطبقة «المونة»، وتكمن جودة الحائط في ضمان عدم انطباق «العراميس» الرأسية بـ«المداميك» المتتالية، (و«المدماك» هو صف الطوب الأفقي).
ويخضع الحائط بعد تشييده لعملية تسمى «تكحيل العراميس»، حيث يتم تفريغ «العرموس» من «المونة» الزائدة بعمق نصف سنتيمتر، «عشان الطرطشة تمسك»، بحسب قول أحد عمال البناء، وهنا مربط الفرس، ومكمن العلة، ومصدر سؤال جديد أصعب من سابقه.

وقبل أن يتحول المقال إلى سلسلة من الألغاز، دعنا نفسر ونقُل، أولًا: إن سر استدعاء «الشنايش» مرجعه الحملة القومية لـ«تعويم» المغفور له «الجنيه المصري» الغارق قبل سنين في غياهب «المنسيين». وحل «تسليك الشنايش» لمنع غرق الإسكندرية هو الحل ذاته الذي ننصح به صانع القرار قبل «تعويم الجنيه»، فعليه تسليك المسارات المسدودة لدخول «الدولار الجبار» كي لا تُغرِق البلد كله.

أما ثانيًا: فأدعوك، عزيزي القارئ، لتجتهد معي وتشاركني البحث عن سر وجود الـ«العراميس» في مقالي، وما هي قصة «التكحيل»؟ ثم «هو ليه الطرطشة ما بتمسكش»؟!

وأعدك بمكافأة كبيرة، إذا وصلتَ «سليم»..

كفانا الله وإياكم شر «العروق» و«أسياخ» الحديد.