نقلا عن المصري اليوم
من المهم والضروري والحتمي أن يُدرك أحمد حلمي في هذه اللحظة أنه لم يُقدم لجمهوره ما يستحق، والأهم أن يوقن بأن الإيرادات الضخمة التي حققها الفيلم في الأسبوع الأول والتي وصفوها في (( الميديا)) بأنها غير مسبوقة، ولا أدري على وجه الدقة إن كانت حقا كذلك أم أنها مجرد دعاية تعودنا عليها في صراع شركات الإنتاج، ولكن في الحد الأدنى لا يختلف أحد أن حلمي حقق رقما استثنائيا وحصل على القضمة الأكبر من تورتة فلوس العيد، وبقدر ما أشارت الأرقام إلى أنه يتمتع بحب ودفيء لدي جمهوره ،بقدر ما صرخ الشريط السينمائي بأنه قدم لهذا الجمهور الفيلم الأكثر تواضعا في مشواره كنجم كوميدي محبوب تعودنا في العديد من أفلامه أن نعيش مغامرات سينمائية .
غاب حلمي عامين وقبلها بعامين كان له حضور باهت في دور العرض مع فيلمي ((على جثتي)) محمد بكير و((صنع في مصر)) عمرو سلامة، وفي قفزة غير محسوبة على الأطلاق قرر أن يلتقي بجمهور العيد، لم أصدق أنه في عدد محدود جدا من أسابيع التصوير والإعداد وقبلها التحضير واختيار أماكن التصوير والتعايش مع السيناريو، لم أعتقد أبدا أن حلمي يصبح هدفه هو اللقاء لمجرد اللقاء، بعد غياب زادت فيه مساحات الترقب والشوق لجمهوره الذي لا يزال محافظا على العهد، كان يراودني سؤال هل هذا الجمهور الذي يحرص حلمي أن تظل حبال الود معه مشرعة، منذ أن صنع خط سحري معهم ،هؤلاء الأطفال الذين ارتبطوا به قبل مطلع الألفية طبعا صاروا شبابا، ألم يتغير مزاجهم، كما أن أطفال هذا الزمن هل لا تزال جيناتهم مرتبطة به ،كنت أظن ان الجمهور لن يستقر أبدا على موجة كوميدية واحدة، الأرقام التي حققها أثبتت أنه لا يزال والجمهور على نفس الموجة، مع الأخذ في الاعتبار، كما أن النظرة الأولى لك والثانية عليك، فإن الأسبوع الأول للنجم والثاني عليه، وأتصور أن الإيرادات في الأسبوع الثاني لن تواصل لا أقول الصعود ولكن سيصبح إنجازا كبيرا لو واصلت مجرد الصمود، لأن الشريط السينمائي لا يملك القدرة الحاسمة على تحقيق الجذب .
الفيلم بعيدا عن القيمة الأدبية التي يحملها للناس، فأنا في الحقيقة لست من أنصار تلك المدرسة التي تبحث عن هدف ورسالة ،وتقيم العمل الفني من خلال تلك الزاوية التي تنتظر أن يتحول الفيلم إلى رسالة تواجه وتتصدى لمظاهر فساد في المجتمع، يا حبذا بالطبع أن نعثر على هذا العمل ولكن كان وسيظل هذا هو النادر في دنيا الإبداع، أنا انتظر فقط، أن يمنحنا العمل الفني حالة من الانتعاش والبهجة من خلال القيمة الجمالية، التي نراها دراميا أو اخراجيا بكل عناصرها، وهذا هو تحديدا ما لم أعثر عليه إلا قليلا في (( لف ودوران)).
إنه فيلم نسائي لو حسبتها بالعدد، حيث تبدو كل النساء مشغولات فقط بالرجل الوحيد أحمد حلمي وكأنه ((ديك البرابر)) في عشة الفراخ، حيث يحرص السيناريو على رحيل الجد مبكرا، وسفر الأب إلى إيطاليا هاربا من زوجته، بينما بيومي فؤاد كان هو الرجل الثاني في الفيلم، وبرغم أنه دور هامشي على مستوى الكتابة، إلا أنه استطاع أن يحيله بإضافاته الخاصة إلى دور مشع، النساء في الفيلم هن الأم ميمي جمال التي عادت للشاشة بعد غياب طويل، والخالة صابرين والأخت جميلة عوض والجدة انعام سالوسة، كما أنضم للقائمة إيطالية يتم زرعها في الأحداث لزوم البحث عن صراع نسائي .
لابأس بالكاتبة الجديدة في تجربتها الأولى (( منة فوزي)) وهي تنتهي بالأحداث إلى تأكيد تلك المقولة بأنه إذا كان الرجل هو الرأس فإن المرأة هي الرقبة التي تحرك الرأس، ولكن لم أعثر في سيناريو منة على تلك الومضة الخاصة التي تدفع مثلا نجما بحجم حلمي، تُعرض عليه عشرات السيناريوهات لكى يختار بإصرار هذا السيناريو، الموقف الدرامي الرئيسي قائم على تلك المفارقة التي رأيناها في عشرات الأفلام ،عندما يصبح الحل الوحيد والحتمي لرجل وامرأة أن يتقدما للمجتمع باعتبارهما زوجا وزوجة، كل منهما ينصب على الأخر وينتحل شخصية، هي تصبح العروس لكي تنقذ الموقع الصحفي الإليكتروني، الذي تديره من الافلاس، حيث أن الموقع تعاقد مع الفندق على تقديم هدية مجانية وهى الاقامة لبضع ليال لعروسين، في فيلا فندقية، بينما هو وجدها فرصة لكسر الملل والالتقاء مع صديقة أبيه الشابة التي جاءت من إيطاليا فانتحل شخصية العريس .
ستلمح كعادة حلمي واغلب أفراد جيله أنهم يحافظون على مفهوم السينما النظيفة بحذافيره فلا يمكن أن نرى شيء لا سمح الله بين رجل وامرأة حتى لو كان الشيطان ثالثهما، حيث يتعلم الشيطان على أيديهما الفضيلة والعفة .
الفيلم يتوقف أمام السياحة المضروبة في مصر من خلال شرم الشيخ حيث أن الشخصية التي يؤديها حلمي لمرشد سياحي يعاني من البطالة، والفندق هو المكان الرئيسي للأحداث، وفي نفس الوقت نشاهد بقدر المستطاع سحر شرم الشيخ وأجواءها التي لا مثيل لها في العالم .
قد تراه بزاوية ما فيلما سياحيا لا بأس، وتستطيع ان ترى في الحقيقة هذا التناقض بين الصخب داخل الفيلا الفندقية التي عاشا فيها معا ثم ذهابهما إلى جزيرة العشاق بعد مؤامرة النساء الأربعة، والتي جاءت بعد أن عادت الفتاة الإيطالية إلى بلدها، الانعزال في تلك الجزيرة بالطبع يعتمد أساسا على أن نرى حلمي وهو يتأمر مثلما تتأمر دنيا سمير غانم للوصول إلى نفس الهدف وهو أن تقترن بحلمي، على الأقل كان من الممكن ان تُصبح أهدافه الانفراد بتلك الحسناء بعيدا عن مشروع الزواج ولكن هناك دائما الإحساس بسيطرة مفهوم السينما النظيفة على فكر حلمي الذي يلتزم به أغلب صُناع أفلامه، بالطبع زادت الفترة الزمنية التي يقضيها الأثنان في الجزيرة عن الحد المسموح دراميا خاصة وأن الخيال كان محدودا في البحث عن مواقف جاذبة، فكانت الضحكات تصيب قليلا وتخفق كثيرا، وتُغني دنيا (( يتناديني ليه)) ويشاركها حلمي الغناء، فتصبح تلك هي الأغنية الأكثر كثافة على اليوتيوب.
وبرغم أننا بصدد قالب تقليدي في بنائه كان يفرض ان تكتمل كل الخيوط في المشهد الختامي فنجد النساء الأربع عائلة حلمي، وهن ينتقلن إليه في الجزيرة ومعهن بيومي فؤاد مدير العلاقات العامة وهو مثلا قد تزوج من صابرين المضربة عن الزواج، فلا يمكن أن نُقدم خطوط درامية تقليدية في بناءها بدون أن نرى نهاية من نفس النسيج .
المخرج خالد مرعي والذي رأيناه من قبل مع حلمي في أفلام مثل (( اسف على الازعاج ))، و((بلبل حيران )) و((عسل اسود)) ويأتي اللقاء الرابع في (( لف ودوران )) هو الأقل على مستوي الدرامي والبصري والفكري، ((اسف على الازعاج)) أهمها بصريا و(( عسل أسود )) فكريا (( وبلبل حيران )) اكثرها قدرة على تفجير الضحك .
بناء الشخصيات يميل أكثر لمنهج الكاركتر المحدد والمباشر في وضع معالم الشخصية، بدون إضافة خاصة، وفي العادة يُصبح على من يؤدي الدور أن يضع هو تلك البصمة الخاصة، وهكذا وصلت انعام سالوسة للذروة والحقيقة انها من أكثر الفنانات في السنوات الأخيرة تلقائية وقدرة على تفجير الضحك ،أيضا صابرين أمسكت بكل حرفية بتفاصيل الشخصية، بينما جميلة عوض لم تجد الدور الذي تقترب به سينمائيا من الجمهور حيث شاركت في أربعة أو خمسة أفلام بعد مسلسل رمضان قبل الماضي (( تحت السيطرة )) لمجرد انها واعدة ولكنها لم الدور الذي تفي من خلاله بالوعد، وجاء بيومي فؤاد برشاقة راقص باليه، كان يُحلق إبداعيا في هذا الدور، فصار هو الضحكة التي ترشق في القلب، دُنيا سمير غانم ملأت الدور حضورا ،حلمي بالطبع وطبقا للقانون السائد في السينما المصرية هو المسؤول عن اختيار السيناريو والمخرج والممثلين وهو أيضا الذي يصنع ما تيسر الإضافات الكوميدية، يحسب له بالطبع أن الفيلم أكد أن الجمهور لا يزال يضعه في المقدمة بكثافة الوقوف في طابور الفيلم، ولكن ينبغي على حلمي أن يضع في المعادلة أنه كان وحده في الميدان فلا يوجد نجم شباك أخر من الممكن ان يقاسمه النجاح، نعم بتحليل الأرقام نستطيع أن نقول أن الجمهور يحب حلمي ،و بتحليل الشريط السينمائي نقول أن حلمي لم يُقدم لجمهوره ما يستحق من الحب!! .